
الحكومة الصينية، التي تشعر بالقلق والمُحاصرة التجارية، بسبب تصعيد الولايات المتحدة لفرض الرسوم، وحتى الدول التي تشتري أو تُجمّع السلع الصينية، تستعد لحرب إستنزاف إقتصادية.
فرضت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الأسبوع الماضي رسومًا تجارية على الواردات بنسبة 10% على الأقل على مُعظم دول العالم، ورسومًا أعلى بكثير على دول مثل فيتنام، حيث تُحوّل المصانع الصينية إنتاجها هناك، حيث أثارت هذه الرسوم ردًا انتقاميًا من الصين، تلاه تهديدات جديدة بالتصعيد من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
قال مُستشار سياسي صيني، لوكالة رويترز، من يستسلم أولًا يصبح ضحية، و إنها مسألة من يستطيع الصمود لفترة أطول!
مع ذلك، ليس لدى الصين خيارات كبيرة، حيث ستسعى لجذب أسواق أخرى في آسيا وأوروبا وبقية العالم، لكن هذا قد لا يكون بمثابة حل فعلي لها.
أسواق الدول الأخرى أصغر بكثير من أسواق الولايات المتحدة، كما تتأثر إقتصاداتها المحلية سلبًا بالرسوم التجارية، ويخشى الكثيرون كذلك من السماح بدخول المزيد من المنتجات الصينية الرخيصة.
على الصعيد المحلي، يُعد خفض قيمة العملة المحلية (اليوان) أبسط طريقة لتخفيف أثر الرسوم، إلا أن ذلك قد يؤدي إلى تدفقات رأس المال إلى الخارج، كما أنه يُنفر شركاء الصين التجاريين الذين قد تسعى الصين إلى التقرب منهم، وقد سمحت الصين حتى الآن بانخفاض محدود جدًا في قيمة عملتها المحلية.
قد يكون من الممكن تقديم المزيد من الدعم الحكومي، أو تخفيضات ضريبية على الصادرات، أو أشكال أخرى من التحفيز، إلا أن هذا قد يُفاقم كذلك فائض الطاقة الصناعية ويزيد من الضغوط على الاقتصاد.
لطالما دعا المحللون إلى سياسات من شأنها تعزيز الطلب المحلي، ولكن على الرغم من تصريحات الحكومة الصينية، لم يُبذل الكثير لزيادة إستهلاك الأسر بشكل هادف، نظرًا لأن التغييرات السياسية الجريئة المطلوبة قد تُسبب اضطرابًا في قطاع التصنيع على المدى القصير.
قد لا يكون الرد من خلال الرسوم التجارية المضادة، وضوابط التصدير، فعالاً للغاية، بالنظر إلى أن الصين تشحن إلى الولايات المتحدة سلعاً تفوق بثلاثة أضعاف ما تستورده بحوالي 160 مليار دولار، و لكنه قد يكون الخيار الوحيد إذا اعتقدت الحكومة الصينية أن قدرتها على تحمل الألم أعلى من الولايات المتحدة.
حتى الآن، ردت الصين على الرسوم الأمريكية الإضافية بنسبة 34% التي فرضتها الأسبوع الماضي بفرض ضريبة مُضادة شاملة مماثلة، وبينما هدد الرئيس دونالد ترامب بالتصعيد بزيادة إضافية بنسبة 50%، تعهدت الحكومة الصينية بالقتال حتى النهاية.
قال آرثر كرويبر، رئيس قسم الأبحاث في غافيكال، لوكالة رويترز، بأنه لا تستطيع الصين إلحاق نفس القدر من الألم بالولايات المتحدة الذي تتلقاه، لأنها تمتلك فائضاً تجارياً كبيراً، وبغض النظر عن المعادن النادرة، لا يزال لديها الكثير لتخسره من التصدير.
لكن هذا لم يعد مهماً الآن، حيث تشير خطوة الحكومة الصينية إلى أنها ستقاوم مساعي الولايات المتحدة للهيمنة، وأنها مُستعدة تماماً للدخول في حرب إستنزاف إقتصادية.
إلى جانب تعريفاتها التجارية الشاملة، يمكن للحكومة الصينية استخدام سيطرتها على بعض السلع الاستراتيجية وقطاعات من عالم الشركات لتوجيه ضربة كبيرة للولايات المتحدة، حيث أظهرت الصين ذلك يوم الجمعة، عندما أضافت سبعة معادن أرضية نادرة إلى قائمة ضوابط التصدير، في خطوة هددت بقطع إمدادات المواد التي يعتمد عليها قطاعا الدفاع والتقنية في الولايات المتحدة.
تحتفظ الحكومة الصينية بخيار توسيع نطاق الضوابط لتشمل عشرة معادن أرضية نادرة أخرى أو حظر الصادرات إلى الولايات المتحدة بشكل كامل.
يمكن للحكومة الصينية كذلك استهداف الشركات الأمريكية بعقوبات أو إضافتها إلى قائمة كيانات غير موثوقة، والتي تشمل حتى الآن بشكل رئيسي شركات تُزعم أنها تبيع أسلحة لتايوان، ومن بين هذه الشركات التي تواجه عقوبات صينية شركة “سكايديو” الأمريكية لتصنيع الطائرات المُسيرة، والتي كانت تستورد بطارياتها من الصين.
في ظل سعي الولايات المتحدة والصين لإلحاق المزيد من الضرر ببعضهما البعض، واعتبار بقية العالم أضرارًا جانبية في حربهما التجارية، يصعب تصور كيف سيبدو اتفاق شامل لتهدئة التوتر.
يرى إقتصاديون أن هدف الرئيس دونالد ترامب المُتمثل في تحقيق التوازن التجاري مع الصين غير قابل للتطبيق على المدى القصير والمتوسط، نظرًا لكون أحد الجانبين أكبر مُنتج في العالم، بينما يُعد الآخر أكبر مُستهلك.
الصين، التي تضررت في وقت سابق من هذا العام من زيادة الرسوم التجارية بنسبة 20%، بسبب قضايا تتعلق بالمواد الفنتانيل المخدرة القاتلة، وليس بفائضها التجاري، مُرتبكة بشأن ما يريده دونالد ترامب تحديدًا، وترفض محاولات الاحتواء، حتى مع إعلانها إستعدادها للمُحادثات.
قال بو تشنغ يوان، الشريك في شركة بلينوم الاستشارية الصينية، لوكالة رويترز، بأنه لا ترى الصين أن الإجراءات الأمريكية تُسهم في تهيئة مناخ مناسب للمفاوضات.
من غير المُرجح أن يواجه الرئيس الصيني شي جين بينغ لتظاهرات مثلما حدث في الولايات المتحدة، ضد سياسيات دونالد ترامب، لأن الصين خاضعة لسيطرة مُشددة، ويمكن للرئيس إعداد حزمة تحفيز نقدي ومالي في وقت لاحق من هذا العام لتخفيف بعض الضغوط الاجتماعية، إذا لزم الأمر.
(نقلاً عن تقرير لوكالة رويترز)






