
لا تضاهي أي دولة أخرى مبيعات الصين السنوية من السلع إلى الولايات المتحدة، والتي تتجاوز قيمتها 400 مليار دولار سنويًا، وقد أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مؤخرًا الرسوم التجارية بنسبة 34% إضافية على تلك السلع.
الرسوم التجارية العالمية التي فرضها دونالد ترامب تضرب في صميم إستراتيجيتين رئيسيتين يتبعهما المصدرون الصينيون للتخفيف من وطأة الحرب التجارية، وهما نقل بعض الإنتاج إلى الخارج، وزيادة المبيعات إلى الأسواق غير الأمريكية.
قد تُوجه هذه الرسوم التجارية الشاملة ضربةً قويةً للطلب العالمي، حيث تُعتبر الصين أكثر عرضة لخطر انكماش التجارة العالمية من أي دولة أخرى، حيث أعتمد نموها الاقتصادي العام الماضي بشكل كبير على تحقيق فائض تجاري بقيمة تريليون دولار.
تتوقع شركة كايوان للأوراق المالية أن تُؤدي الرسوم التجارية الجديدة إلى خفض الصادرات الصينية إلى الولايات المتحدة بنسبة 30%، وخفض إجمالي الصادرات بأكثر من 4.5%، وعرقلة النمو الاقتصادي بنسبة 1.3%.
قال يوان يووي، مدير صندوق التحوط في شركة ووتر ويزدوم لإدارة الأصول، لوكالة رويترز، إنه حصار شامل ضد الصين، مُعربًا عن تفاؤله بشأن الذهب وبيع أسهم الصين وهونغ كونغ على المكشوف نتيجة لذلك.
قبل إعادة انتخاب دونالد ترامب، كان العديد من المُصنّعين الصينيين ينقلون بالفعل بعض مرافق الإنتاج إلى جنوب شرق آسيا ومناطق أخرى، حيث تواجه مصانعهم الجديدة الآن رسومًا تجارية بنسبة 46% في فيتنام، و36% في تايلاند، و10% على الأقل في أي مكان آخر.
مع رفع دونالد ترامب للرسوم التجارية على الصين في شهر شباط/فبراير وأذار/مارس 2025، كانت القوة التجارية العالمية لمصنّعيها في سباق شديد للبحث عن أسواق تصدير جديدة في آسيا وأمريكا اللاتينية وأماكن أخرى، حيث تتعرض هذه الاقتصادات الآن لضربة تجارية، مما قد يقلل من قوتها الشرائية وطلبها على السلع الصينية.
يقول المحللون إن إجراءات الولايات المتحدة الجديدة هي نوع من الضربة القاضية للصين، التي قد تُعيق النمو الاقتصادي وجهودها لمكافحة الانكماش.
قال تشيوو تشن، أستاذ المالية في كلية إدارة الأعمال بجامعة هونغ كونغ، لوكالة رويترز، هذا سيجعل تحقيق هدف النمو البالغ 5% أمرًا مستحيلًا، حيث لا يمكن للصين الخروج من هذا الوضع الانكماشي في أي وقت قريب، وهذه الزيادة الجديدة في التعريفات تزيد الأمور سوءًا بالتأكيد.
تنعكس صدمة الطلب الخارجي على الداخل، حيث يتعرض المنتجون لضغوط لخفض التكاليف.
صرح جيري جياو، صاحب مصنع في الصين يُنتج أحواض إستحمام من الحديد، بأنه قام بالفعل بتسريح بعض الموظفين، وخفض تكاليف الإدارة، وخفض نفقات مُختلفة هذا العام.
قال لي تشاو لونغ، مدير مصنع ملابس في مدينة قوانغتشو الجنوبية، إنه بحاجة إلى الاعتماد بشكل أكبر على الطلبات المحلية، لكنه قلق بشأن ضعف الطلب، حيث في السابق، كان هناك كعكة واحدة لشخص واحد، لكن الآن خمسة أشخاص يريدون تناولها.
في عام ٢٠٢٣، تجاوزت تجارة حوالي ١٤٥ دولة مع الصين تجارة الولايات المتحدة، بزيادة تقارب ٥٠٪ عن عام ٢٠٠٨، وفقًا لبحث أجراه مصرف جيفريز الاستثماري.
يُعدّ هذا مقياسًا لنجاح الصين على مدى عقود في تطوير صناعات تنافسية في ظل نظام التجارة العالمي الذي وضعته الولايات المتحدة، والذي تعتبره الآن غير عادل ويشكل تهديدًا لأمنها.
قال مُستشار صيني للسياسة التجارية، لوكالة رويترز، ما زلنا بحاجة إلى تنويع أسواق صادراتنا، ودعم الصادرات، وتشجيع الشركات على التركيز بشكل أكبر على المبيعات المحلية، ومع ذلك، حذّر من أن خطر الركود العالمي حقيقي، وقال بأنه إذا خضع الجميع، فستستفيد الولايات المتحدة بالفعل، كما لو أن الآخرين يدفعوا الجزية، أما إذا قاوموا وردّوا باستمرار، فلن يكون الاقتصاد الأمريكي قادرًا على التعامل مع الأمر.
بالنسبة للصين، يتمثل الخطر الآخر في أن يشهد المزيد من شركائها التجاريين تنافسًا محمومًا بين مُصدّريها على الأسعار في أسواقهم، مما يدفعهم إلى إقامة حواجز تجارية خاصة بهم لحماية صناعاتهم المحلية.
وصرح لويس كويجس، كبير الاقتصاديين في شؤون آسيا لدى ستاندرد آند بورز غلوبال، بأنه ينطبق هذا على كل من أوروبا والعديد من اقتصادات الأسواق الناشئة.
كما تُضيف العوامل المحلية تحدياتٍ لأي خطة صينية لمضاعفة التجارة الخارجية.
يقول العديد من المُحللين، إن براعة الصين في التصدير هي كذلك نتيجة سياسات حكومية حرمت الأسر من حقوقها، مما أدى إلى إختلالات مثل فائض الطاقة الإنتاجية في قطاع التصنيع، وتباطؤ الاستهلاك المحلي، وبناء الطرق والجسور التي لا تُحقق أي تقدم يُذكر.
قال شاميك دار، كبير المُستشارين في شركة فاثوم للاستشارات، لوكالة رويترز، لقد أدت النزعة التجارية الصينية إلى القمع المالي، حيث قدمت للأسر عوائد مُنخفضة على المُدخرات لتوفير تمويل رخيص للصناعات المفضلة، ولقد ساهم هذا في النمو الاقتصادي السريع، ولكنه أدى كذلك إلى سوء تخصيص رأس المال، والمضاربة العقارية، وهشاشة القطاع المالي.
يتوقع المحللون أن تعلن الحكومة الصينية عن المزيد من التحفيز قريبًا، وقد تتراوح هذه الإجراءات بين خفض أسعار الفائدة لدى المصرف المركزي وضخ السيولة، وتخفيض ضرائب المُصدرين، ودعم سوق العقارات، وربما حتى زيادة عجز الموازنة وإصدار الديون بشكل أكبر مما أُشير إليه في الاجتماع البرلماني السنوي في أذار/مارس 2025.
قال خبير في الشؤون الصينية في معهد توني بلير للتغيير العالمي، إن إجراءات التحفيز المُقيدة التي اتُخذت الشهر الماضي كانت حسابات، وليست سهوًا، ولقد تعمدت الحكومة الصينية الاحتفاظ بمزيد من الاحتياطيات.
قال مستشار سياسي ثانٍ، لوكالة رويترز، إن خفض الأموال التي يتعين على المصارف الاحتفاظ بها كاحتياطيات، وخفض أسعار الإقراض، ينبغي أن يكونا أولوية للربع الثاني، بينما قد يأتي المزيد من التحفيز المالي في الربع الثالث، وبدون هذه الخطة البديلة، من غير المُرجح أن تحقق الصين هدف النمو البالغ حوالي 5% هذا العام، والأكثر من ذلك، ينبغي على وزارة المالية إعداد الخطة البديلة إذا ما أقدم دونالد ترامب على زيادة الرسوم التجارية على الصين.
لكن المحللين يرون أن مفتاح تخفيف مخاطر النمو والانكماش يكمن في السياسات التي تُعدّها الحكومة الصينية لتعزيز الاستهلاك.
تتعهد الصين منذ أكثر من عقد بتغيير نموذجها الاقتصادي بعيدًا عن الاستثمارات، نحو نمو قائم على الاستهلاك، وقد قدّم قادتها هذه الوعود بصوت أعلى في البرلمان، دون الكشف عن تدابير هيكلية جوهرية.
يقول المحللون إن اضطراب التجارة العالمية يجعل هذه الالتزامات أكثر إلحاحًا، على الرغم من أن الآمال في إجراء إصلاحات هيكلية كبرى لا تزال ضئيلة، نظرًا لمدى صعوبة هذا التحول.
من الممكن تقديم دعم لشراء السلع الاستهلاكية وزيادة دعم رعاية الأطفال، لكن إصلاحًا أوسع نطاقًا لنظام الرعاية الاجتماعية، وتغييرات جذرية في النظام الضريبي، وتحرير الأراضي، وغيرها من السياسات لإعادة توجيه الموارد إلى الأسر من القطاع العام، لا تزال غير مرجحة.
يقول نيك مارو، كبير الاقتصاديين لشؤون آسيا ورئيس قسم التجارة العالمية في وحدة الإيكونوميست للاستخبارات، لوكالة رويترز، بأنه من المرجح أن نشهد مُضاعفة الجهود لتشجيع الطلب المحلي كوسيلة لتعويض هذه الصدمة المتوقعة للطلب الخارجي، ولكن ليس هناك الكثير مما تستطيع الحكومة الصينية فعله.
(نقلاً عن تقرير لوكالة رويترز)






