سقوط النظام في سوريا جدد الأمال بأن تصبح تركيا مركزا لتوريد الغاز للمستهلكين في أوربا
لقد فتح الانهيار المفاجئ للحكم في سوريا وهروب بشار الأسد، بعد فترة حكم لمدة 54 عاما إمكانيات لنظام إقليمي جديد، ولا يزال الكثير غير مؤكد، ولكن تركيا ــ التي أستضافت معظم اللاجئين السوريين و دعمت الجانب المُنتصر (في سوريا) ــ في وضع قيادي لتشكيل هذا المُستقبل.
تقدر تكاليف إعادة إعمار سوريا بنحو 400 مليار دولار، والشركات التركية في وضع جيد لتأمين العقود الكبرى إذا تحول الاقتصاد السوري الذي تقوده الدولة إلى سوق حرة، كما تم الاعلان عنه مؤخراً
دبلوماسيا، تستطيع تركيا الاستفادة من دعمها للفصائل السورية للتفاوض على اتفاقيات دفاع مع الحكومة الجديدة في سوريا ــ وهو ما قد يؤدي إلى تكرار اتفاقيات مماثلة أبرمتها تركيا مع أذربيجان، قطر، الصومال وليبيا، ومن شأن مثل هذه الترتيبات أن تعمل على توسيع العمق الاستراتيجي لتركيا بشكل كبير في شرق البحر الأبيض المتوسط.
يمثل ترسيم الحدود البحرية فرصة حاسمة أخرى، فقد تكون الحكومة السورية الجديدة أكثر استعدادا للاعتراف بمطالبات المنطقة الاقتصادية الخالصة التركية في شرق البحر الأبيض المتوسط، وهو ما يعزز موقف الحكومة في النزاعات الجارية مع اليونان وقبرص.
إن هذا قد يشمل كل من المطالبات التركية ومطالبات جمهورية شمال قبرص التركية – وهي دولة بحكم الأمر الواقع لا تعترف بها إلا تركيا!
لقد ظهرت هذه الفرص في وقت تبذل فيه الحكومة التركية جهودًا مُتجددة لترسيخ مكانة تركيا كمركز رئيسي للطاقة في المنطقة، حيث كانت هذه الطموحات المُتجددة معروضة بالكامل في قمة الطاقة الكبرى في اسطنبول الشهر الماضي.
استضاف المسؤولون الأتراك وزراء من مُنتجي الغاز الرئيسيين بما في ذلك أذربيجان، ليبيا وأوزبكستان، إلى جانب ممثلين من دول العبور مثل جورجيا و المستوردين من أوروبا الشرقية.
تتمثل رؤية تركيا في أن تعمل تركيا كنقطة عبور رئيسية بين منتجي الغاز إلى الشرق والجنوب والأسواق إلى الغرب.
توفر البنية الأساسية الحالية للطاقة أساسًا جيدًا لهذه الطموحات، حيث إن خط أنابيب الغاز الطبيعي عبر الأناضول، والذي يشكل جزءًا من ممر الغاز الجنوبي الذي يحمل الغاز الأذربيجاني إلى أوروبا، يثبت بالفعل ملاءمة تركيا كدولة عبور.

كما تمتلك البلاد سبعة خطوط أنابيب للغاز، وخمسة محطات للغاز الطبيعي المسال، وثلاث وحدات تخزين عائمة، ومنشأتين للتخزين تحت الأرض – فضلاً عن فائض كبير في الاستيراد يمكن استخدامه للتجارة.
إن إمكانية قيام دولة سورية جديدة مُستقرة تخلق فرصة لتركيا للاستفادة من هذه الإمكانات.
من خلال إنشاء خط أنابيب للغاز إلى الغرب من سوريا والاتصال بشبكة خط أنابيب الغاز العربي الحالية (التي تربط سوريا والأردن ومصر)، يمكن لتركيا أن تقدم لمنتجي الغاز الإقليميين مثل إسرائيل ومصر طريقًا أكثر جدوى تجاريًا إلى الأسواق الأوروبية من بدائل الغاز الطبيعي المسال الحالية.

وهذا من شأنه أن يتحدى بشكل فعال منتدى غاز شرق البحر الأبيض المتوسط - وهو تحالف يضم مصر، إسرائيل ، اليونان، قبرص، فلسطين، الأردن، إيطاليا وفرنسا.
يمكن أن يسمح الاستقرار في سوريا بإحياء مشروع خط الأنابيب الخامل منذ فترة طويلة لربط حقول الغاز الطبيعي القطرية بتركيا عبر المملكة العربية السعودية، الأردن وسوريا.
رفض نظام بشار الأسد المقترح (2009)، ويقال إنه لحماية صادرات الغاز الروسية إلى الأسواق الأوروبية (*كذلك رفض ايراني لأنه الحكومة الإيرانية وقعت عقد لمد خط أنبوب غاز من نفس الحقل المشترك للغاز مع قطر عبر الأراضي العراقية، سوريا).
ولم يستغرق الأمر سوى يومين فقط من سقوط نظام بشار الأسد حتى أعرب وزير الطاقة التركي ألب أرسلان بايراكتار علناً عن انفتاحه على إعادة النظر في المشروع.
لقد عانى مشروع خط أنابيب شرق المتوسط الرائد التابع لمنتدى شرق المتوسط من حيث الجدوى الفنية والمالية، حيث لم يحرز خط الأنابيب المقترح بطول 1,900 كيلومتر والذي يربط بين إسرائيل، قبرص واليونان سوى تقدم ضئيل.
كما تعرض خط الأنابيب لضربة كبيرة عندما سحبت الولايات المتحدة دعمها في عام 2022.

إن الطريق البري عبر سوريا إلى البنية التحتية الحالية في تركيا من شأنه أن يوفر بديلاً أقصر وأبسط من الناحية الفنية وأكثر فعالية من حيث التكلفة، وقد يقدم هذا فرصة مستقبلية للبنان، الذي بدأ مؤخرًا أعمال التنقيب البحرية ويفتقر إلى البنية التحتية للتصدير الخاصة به (لبنان ليس عضوًا في منتدى شرق المتوسط وقد يجد الطريق التركي جذابًا بشكل خاص إذا أثبتت جهوده في استكشاف الغاز نجاحها).
(نقلا عن مقال في مؤسسة تشاتام هاوس البريطانية، مع اضافة بعض الخرائط والمعلومات الاضافية ــ 17 ــ 12 ــ 2024)






