الصين مُحتارة بين دعم المتمردين، والحفاظ على علاقتها مع المجلس العسكري في مينمار

عندما أستولى تحالف بقيادة ثلاثة جيوش في مينمار، مُتمردة على السلطة الحالية، على مساحات شاسعة من الأراضي بالقرب من الحدود مع الصين من المجلس العسكري في تشرين أول/ أكتوبر من العام الماضي، تغاضت الصين عن الأمر، و بعد مرور عام، نجحت القوات المُتمردة في سحق المجلس العسكري، و دفعت الجيش إلى خارج الأراضي الحدودية الحيوية و نجحت في التوغل في قلب مينمار، المتنازع عليه مع المجلس العسكري.
رداً على هذا التقدم الكبير، أغلقت الصين الحدود و أوقفت الواردات الرئيسية إلى الأراضي الخاضعة لسيطرة المُتمردين، حسبما قال زعيم المتمردين و خمسة من سكان المنطقة الحدودية لوكالة رويترز، وهي الخطوة التي يقول المحللون إنها تهدف إلى ثني المتمردين عن المزيد من التقدم، بما في ذلك مهاجمة العاصمة الثقافية ماندالاي Mandalay

و بعد دعم تحالف المتمردين في البداية للقضاء على الجرائم الحدودية المُتفشية التي لا يكبحها المجلس العسكري المسيطر على مينمار، تَشعر الحكومة الصينية بقلق متزايد إزاء التدهور السريع للجيش، الذي لا تزال تعتبره ضامناً للإستقرار هناك، كما قال محللان يتابعان العلاقات بين ميانمار والصين، لوكالة رويترز.
قال أحد المصادر لوكالة رويترز، إن الصين قلقة كذلك بشأن صعود الجماعات المُتمردة التي كانت تساعد التحالف و ترتبط كذلك بحكومة الوحدة الوطنية الموازية المدعومة من الولايات المتحدة.
وصف تسعة أشخاص مطلعون على الصراع لوكالة رويترز، تفاصيل لم يتم الإبلاغ عنها سابقا حول كيفية قيام الحكومة الصينية بالضغط على القوات المُتمردة، بما في ذلك من خلال منع الواردات – مما دفع مجموعة واحدة على الأقل إلى الإنسحاب من القتال.
إحدى نقاط التحول في الموقف في أب/ أغسطس 2024، عندما أستولى التحالف المتمرد على مدينة لاشيو Lashio، في شمال شرق البلاد، مما يمثل أول إستيلاء على قيادة عسكرية إقليمية في تأريخ مينمار.

قال ني ني كياو Ni Ni Kyaw، السكرتير لجماعة مقاومة شيوعية تقاتل لدعم العملية 1027 – Operation 1027، كما يُعرف الهجوم الذي قاده التحالف، لوكالة رويترز، إن المدينة التي يبلغ عدد سكانها نحو 130,000 نسمة سقطت في أيدي المُتمردين بسرعة كبيرة عما توقعوا.
قال المجلس العسكري في مينمار في بيان ردا على أسئلة وكالة رويترز:
إن المجلس يتعاون مع الحكومة الصينية لضمان الإستقرار و سيادة القانون على طول الحدود، ولن يقبل مطالب الإرهابيين المُسلحين، و سنواصل حل الموقف باستخدام الأساليب السياسية.
قالت وزارة الخارجية الصينية لوكالة رويترز:
“إنها تعارض بشدة ظهور الفوضى و الحرب في مينمار، و تحث الأطراف المعنية على الدفع بشكل مشترك من أجل خفض هادئ للوضع بالقرب من الحدود”
تضررت القنصلية الصينية في مدينة ماندالاي جزئيا بسبب إنفجار الأسبوع الماضي، رغم عدم وقوع إصابات.
قال زعيمان للمُتمردين و محللان لوكالة رويترز، إن بعض الجماعات المُتمردة تأمل في الإستفادة من الزخم الأخير و رسم مسار جنوبا إلى مدينة ماندالاي، و من هناك، تبعد العاصمة نايبيداو Naypyidaw ، مئات الكيلومترات فقط.

قال خبير الأمن الدولي تشو جيانغ مينغ Zhu Jiangming، الذي كتب عن الوضع الحدودي لوسائل الإعلام الرسمية الصينية، إن الحكومة الصينية من المرجح أن تعارض مثل هذه الخطوة.
وقال:
“إن ماندالاي هي ثاني أكبر مدينة في مينمار، أي ما يعادل مدينة شنغهاي في الصين، و أن سقوط ماندالاي سيكون نقطة تحول في الصراع الذي ستحاول الصين منعه”
بدأت العملية 1027- Operation 1027 التي سميت على اسم التأريخ الذي بدأ فيه القتال العام الماضي، في وقت كانت فيه الجرائم التي تحاصر الضحايا الصينيين تحدث بالقرب من الحدود، و دفع هذا الحكومة الصينية إلى عدم الإعتراض عندما بدأ تحالف الأخوة الثلاثة – Three Brotherhood Alliance، في هزيمة المجلس العسكري.
يتألف التحالف من ثلاث مجموعات – بما في ذلك جيش التحالف الوطني الديمقراطي المينماري العرقي الصيني (MNDAA) Chinese Myanmar National Democratic Alliance Army – حيث تتمتع الصين بنفوذ عليه، و لكن ليس السيطرة المباشرة.
لكن الصين تعارض إنهيار المجلس العسكري، الذي أطاح بحكومة أونج سان سو كي Aung San Suu Kyi، المدنية في إنقلاب عام 2021.
يقول المحللون لوكالة رويترز، إن الصين تخشى أن تؤدي الإضطرابات الدائمة على طول حدودها التي يبلغ طولها 1250 ميلاً مع مينمار إلى تعريض الإستثمارات و التجارة للخطر.
كتب تشنغ جانغ Zheng Gang، من مؤسسة أبحاث الإصلاح و التنمية CITIC – Reform and Development Research Foundation، و هي قسم من شركة مملوكة للحكومة الصينية تعمل على تطوير ميناء في مينمار، في تحليل في أذار/مارس 2024، أن القضاء على الجريمة لا ينبغي أن يحجب الصورة الأكبر.
وقال:
“إن الاضطرابات الأكبر في مينمار قد تفيد منافسي الصين، بما في ذلك الولايات المتحدة و اليابان، اللتين قال إنهما ينظر إليهما بشكل إيجابي من قبل مجموعات مؤثرة مثل حكومة الوحدة الوطنية”
وقد أستعرضت الحكومة الصينية قوتها سابقًا عندما تفاوضت على وقف إطلاق النار بين بعض الميليشيات العرقية و المجلس العسكري في كانون الثاني/ يناير 2024، لكن القتال أستمر لاحقًا وبحلول منتصف أب/ أغسطس، سقطت مدينة لاشيو.

بعد وقت قصير من إنهيار مدينة لاشيو، التقى وزير الخارجية الصيني وانغ يي Wang Yi، بزعيم المجلس العسكري مين أونغ هلاينغ Min Aung Hlaing في ميانمار، و أخبره بأن الحكومة الصينية تعارض الفوضى والصراعات، وحثه على حماية الأفراد و المشاريع الصينية”، وفقًا لبيان حكومي صيني.
و أجرى الجيش الصيني تدريبات إطلاق نار مُشتركة على الحدود في وقت لاحق من ذلك الشهر.
تبع ذلك ضغوط على تحالف الأخوة الثلاثة المتمرد، حيث أغلقت الصين بوابات الحدود، و قطعت الإمدادات عن الأراضي التي كانت تحت سيطرة التحالف الوطني الديمقراطي المينماري العرقي الصيني في مينمار، وفقًا لماونغ سونغكا Maung Saungkha، زعيم جيش آخر دعم التحالف في القتال، بالإضافة إلى خمسة من السكان، تحدثوا لوكالة رويترز.
حتى الإمدادات الطبية مثل لقاحات الأطفال لم تصل، مما ترك المتمردين يديرون نظامًا صحيًا عامًا وسط الصراع، في وضع صعب للغاية، كما قال ماونغ ساونغكا Maung Saungkha.
وقال لوكالة رويترز، إن تشديد الضوابط الحدودية من قبل الحكومة الصينية أدى إلى إبطاء تدفق الأسلحة و الذخيرة إلى جماعات المقاومة، و أن قواته ستحاول الإستيلاء على المزيد من الذخيرة من قوات المجلس العسكري المهزومة.
المجلس العسكري في مينمار فقد قبضته على الحدود مع الصين، حيث أكتسبت الجيوش المتمردة في مينمار السيطرة على ست من أصل ثماني بوابات حدودية على طول الحدود الصينية، مما دفع المجلس العسكري إلى الخروج من المناطق التي تمر عبرها مليارات الدولارات من التجارة كل عام.
في أيلول/ سبتمبر، أعلن MNDAA في مينمار، الذي تربطه علاقات طويلة الأمد بالصين، أنه لن يعمل مع الحلفاء لتوسيع الأراضي، و لن يتعامل مع أو يتعاون مع الدول الأجنبية التي تعارض الصين أو مينمار. كما أعلن أنه مُستعد لوقف إطلاق النار تحت إشراف الصين، رغم أنه لا يزال جزءًا من التحالف.
في أواخر ذلك الشهر، دعا المجلس العسكري قوات المتمردين إلى محادثات السلام، وقد رفض زعماء المتمردين مثل ماونج ساونغكا الإقتراح بسرعة، وقال إن دور الصين في دعم مثل هذه المفاوضات قد يمهد الطريق لإجراء إنتخابات صورية.
قال مسؤول كبير في حكومة الوحدة الوطنية لوكالة رويترز، إن الصين تحاول خلق إنقسامات بين القوات المناهضة للمجلس العسكري، و إن الصين حثت بعض الجماعات على التوقف عن قتال الجيش و التوقف عن التعاون مع حكومة الوحدة الوطنية، دون تقديم أدلة.
إن حكومة الوحدة الوطنية لديها تحالف فضفاض مع بعض الجماعات المتمردة، في حين أن البعض الآخر يجلس ضمن سلسلة قيادتها.
قال جيسون تاور Jason Tower، المُحلل في معهد السلام الأمريكي ومقره الولايات المتحدة – واشنطن، لوكالة رويترز:
“إن شن هجوم على مدينة ماندالاي سيكون صعباً على تحالف الأخوة الثلاثة في حين يحافظ على علاقاته مع الصين، و أن محاولة المتمردين الإستيلاء عليها دون دعم التحالف ستكون محفوفة بالمخاطر”
قال سو ثويا زاو Soe Thuya Zaw، قائد قوات الدفاع الشعبية في مدينة ماندالاي، التي ترفع تقاريرها إلى حكومة الوحدة الوطنية، لوكالة رويترز:
“إن نفوذ الصين حقيقة، لكن المجموعات البعيدة عن الحدود يمكن أن تقود القتال لغاية مدينة ماندالاي، و يجب أن نتحد، ويجب أن نستعد، ويجب أن نتدرب للتغلب على الضغوط من الصين”.
بالنسبة لتدخل الحكومة الصينية جاء بعد رؤية مدى سرعة تفكك قوات المجلس العسكري في مدينة لاشيو.
وقال جيسون تاور لوكالة رويترز:
“أصبحت الصين الآن أكثر إستباقية و غيرت موقفها بشكل ملحوظ”.
قال سو ثويا زاو لوكالة رويترز:
“إن المتمردين يعتقدون أن المجلس العسكري سيستخدم التوقف المؤقت في القتال الذي فرضته الصين لإعداد دفاع قوي هناك”
بدلاً من ذلك، كافح الجيش لشن قتال عندما أستؤنف الصراع، حيث فقدت قيادته العليا الإتصال بكبار الضباط في المقر الإقليمي.
منذ إنقلاب عام 2021، أصبح مين أونغ هلاينغ Min Aung Hlaing، قام بتغيير قادته العسكريين الإقليميين بمعدل أسرع بكثير، مابين حزيران/ يونيو 2017 و إنقلاب شباط/ فبراير 2021، شهدت القيادات العسكرية الإقليمية الـ 14 التي تشكل الأساس لسيطرة الجنرال على ميانمار 36 شخصًا يخدمون كقادة، وفقًا لـ Security Force Monitor، وهي مجموعة بحثية في جامعة كولومبيا.
في نفس الفترة التي أستمرت 44 شهرًا بعد الإنقلاب، كان هناك 49 قائدًا، بزيادة قدرها 36٪.
حدثت العديد من عمليات التدوير – التي لم يتم الإبلاغ عن تفاصيلها سابقًا – في المنطقة المتاخمة للصين حيث فقد الجيش أرضًا كبيرة أمام المتمردين.
قال توني ويلسون Tony Wilson، مدير مجموعة البحث لوكالة رويترز:
“وفقًا لأحدث البيانات المتاحة، فإن غالبية القادة العسكريين الإقليميين الذين يخدمون حاليًا لم يسبق لهم قيادة قيادة عسكرية إقليمية من قبل”.
قال المُحلل يي ميو هاين Ye Myo Hein لوكالة رويترز:
“إن التدوير السريع للقادة يعكس محاولة من جانب مين أونغ هلاينغ لتأكيد سيطرة أكبر على الجيش ومنع المعارضة”
تعرض الجنرال مين أونغ هلاينغ لضغوط و إنتقادات غير مسبوقة – حتى من الموالين – بسبب الهزائم على مدار العام الماضي.
أثناء الهجوم المُتمرد، أقال الجنرال مين أونغ هلاينغ، قائد منطقة مدينة لاشيو بسبب العصيان بعد جدال، وفقًا للمُحلل مين زاو أو Min Zaw Oo، الذي تفاعل مع مسؤولي المجلس العسكري، ويي ميو هاين Ye Myo Hein.
و قالوا إن البديل لم يتمكن من دخول مدينة لاشيو أثناء القتال، كما لم تتمكن التعزيزات من مناطق أخرى.
و قال مين زاو أو لوكالة رويترز:
“لا يمكنك تغيير قائد في أزمة لمجرد العصيان”.





