تدخل الصين حقبة نمو إقتصادي أبطأ بكثير من المتوقع، مما يثير إحتمالية مروعة، وهي أن الصين قد لا تصبح غنية أبدًا، سواء كان ثاني أكبر إقتصاد في العالم، مع عقود ضائعة من الركود مثل اليابان، يبدو أنها ستخيب آمال قادتها وشبابها والكثير من دول العالم.
كان صناع السياسة يأملون في تضييق فجوة التنمية بين الصين والولايات المتحدة، وتم إرسال الكثير من الشباب الصينيين إلى الجامعات للدراسة ضمن تخصصات الإقتصاد المتقدم، إضافة إلى تصدير السلع الرخيصة إلى دول عدة.
ديزموند لاكمان Desmond Lachman، زميل في معهد أمريكان إنتربرايز American Enterprise Institute، لوكالة رويترز:-
” من غير المرجح أن يتجاوز الإقتصاد الصيني إقتصاد الولايات المتحدة خلال العقد أو العقدين المقبلين “.
حيث يتوقع أن يتباطأ النمو للإقتصاد الصيني، الأمر الذي سيبدو كأنه ركود إقتصادي، حيث بطالة الشباب الصيني القادر على العمل بالفعل أعلى من ٢٠ ٪، وإن هذا ليس جيدًا لبقية الإقتصاد العالمي.
عندما بدأت اليابان في الركود في التسعينيات، كانت قد تجاوزت بالفعل متوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي ( GDP per capita ) للإقتصادات ذات الدخل المرتفع، وكانت تقترب من المستويات الأمريكية، ولكن الصين أعلى بقليل من مستوى الدخل المتوسط !
تباطأ النمو في الصين في الربع الثاني لسنة ٢٠٢٣، بنسبة ٦.٣ ٪ ، بسبب عمليات الإغلاق المرافقة للسيطرة على إنتشار فيروس كورونا، العام الماضي، مما زاد الضغط على القادة الصينيين الذين من المتوقع أن يجتمعوا هذا الشهر لمناقشة إنعاش الإقتصاد ( قصير الأجل ) والقيام بإصلاحات طويلة الأجل، بحسب بيانات الأشهر السابقة، نيسان / أبريل لغاية حزيران / يونيو النمو للإقتصاد الصيني لعام ٢٠٢٣، بنسبة ٥٪ تقريبًا، مع نسب أبطأ بعد ذلك.
| متوسط النمو السنوي للإقتصاد الصيني كان قد بلغ حوالي ٧ ٪ في العقد الماضي، وأكثر من ١٠ ٪ في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين |
بسبب هذا الضعف في النمو الإقتصادي في الصين، لم يعد الإقتصاديون يَعزون ضعف الإستهلاك وضعف إستثمارات القطاع الخاص لظهور وباء فيروس كورونا وما رافقه من عمليات إغلاق، بل بسبب ( العلل الهيكلية في الإقتصاد نفسه ).
هذه العلل الهيكلية في الإقتصاد الصيني، تشمل زيادة مفرطة للغاية في قطاع العقارات، الذي يمثل ربع الناتج المحلي الإجمالي ( الإقتصاد ) في الصين، وهو أحد أعمق العلل في الإقتصاد، بسبب عدم توازن ( الإستثمار- بناء العقارات، والإقبال على شراء هذه العقارات )، مما أدى إلى تراكم كبير في الديون للحكومات المحلية، إضافة إلى القبضة القوية للحزب الشيوعي الحاكم على المجتمع، بما في ذلك الشركات الخاصة ( الإستثمار ).
كذلك، تتقلص القوة العاملة ( Workforce )، وتتقلص ( قاعدة المُستهلكين للسلع ) و تتوسع ( قاعدة المتقاعدين ).
قال وانغ يون Wang Jun، محلل إقتصادي في مؤسسة Huatai Asset Management، لإدارة الأصول، لوكالة رويترز:-
” إن المُشكلة السكانية، الإنخفاظ الكبير في قطاع العقارات، أعباء الديون الحكومية المحلية الثقيلة، التشاؤم من القطاع الخاص، والتوترات بين الصين والولايات المتحدة، لا تسمح لنا بتبني نظرة متفائلة تجاه النمو على المدى المتوسط إلى الطويل “
حاليا، إنفاق الأسر في الصين كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي يتخلف عن مثيله في معظم البلدان الأخرى.
أشار رئيس المجلس الوطني للإصلاح والتنمية China National Development and Reform Commission، تشنغ شانجي Zheng Shanjie، في مقال نُشر في ٤ تموز / يوليو ٢٠٢٣، في مجلة “تشيوشي Qiushi ” الرسمية، إلى ما يسمى( فخ الدخل المتوسط Middle-Income Trap )، والذي يعني بأن ( البلدان لاتستطيع الوصول إلى مرحلة الدخل العالي – High Income – تصبح غنية، بسبب زيادة الكلفة وقلة التنافسية، قائلاً إن الصين بحاجة إلى ( تسريع بناء نظام صناعي حديث لتجنب ذلك ).
يشير الإقتصاديون إلى إزدهار صناعة السيارات الكهربائية في الصين كدليل على التقدم، لكن الكثير من مجمعاتها الصناعية لا يتم تحديثها بنفس السرعة، حيث تمثل مبيعات السيارات الكهربائية في الخارج فقط ( ١.٧ ٪ ) من الصادرات الصينية.
قال ريتشارد كو Richard Koo، كبير الإقتصاديين في معهد نومورا Nomura Research Institute للأبحاث، لوكالة رويترز :-
” سينظر العديد من المراقبين إلى بعض الشركات ويقولون، يا للروعة، يمكن للصين أن تأتي بكل هذه المنتجات الرائعة، لذا يجب أن يكون المستقبل مشرقًا “
” سؤالي هو: هل لدينا ما يكفي من هذه الشركات؟ “
قال خوان أورتس Juan Orts، الخبير الإقتصادي في الإقتصاد الصيني في Fathom Consulting، لوكالة رويترز:-
” إن تعزيز طلب المُستهلكين قد يعيد توجيه الموارد بعيدًا عن دعم المصدرين ، وهو ما يفسر جزئيًا التردد تجاه مثل هذه الإصلاحات، ولا نعتقد أن السلطات ستلتزم بهذا المسار ، والذي هو ضروري لدعم الإقتصاد “
شجعت حملة ( الرخاء المشترك Common Prosperity ) التي أطلقها الرئيس الصيني ( شي جين بينغ Xi Jinping )، ضد عدم المساواة في الصين، إلى تخفيض الرواتب في وظائف في النظام المالي والقطاعات الأخرى، وأدى تدهور الوضع المالي للمدن إلى خفض رواتب موظفي الخدمة المدنية، مما أدى إلى حدوث دوامة من الإنكماش.
دعا العديد من الإقتصاديين إلى رعاية صحية عامة أفضل، معاشات تقاعدية أعلى، إعانات من أجل البطالة، وغيرها من الأجزاء الأساسية لشبكة أمان إجتماعي.
دعا مُستشار البنك المركزي الصيني، كاي فانغ Cai Fang هذا الشهر إلى تحفيز الإستهلاك، بما في ذلك التغييرات في تصاريح الإقامة في الصين، أو ما تعرف بـ ( هوكو hukou )، والتي تمنع الملايين القادمين من المناطق الريفية من الإستفادة من الخدمات العامة في المدن التي يعملون فيها.
قال ريتشارد كو Richard Koo، كبير الإقتصاديين في معهد نومورا Nomura Research Institute للأبحاث، لوكالة رويترز :-
” إن مشاكل الصين أكثر صعوبة مما كانت عليه في اليابان منذ جيل مضى، مما يعطي صانعي السياسة – في الصين، مجالاً للمناورة، إذا أنتهزوا الفرصة الأخيرة للوصول إلى مستويات المعيشة في العالم المتقدم “
في تقديره، تعاني الصين من ركود في الميزانية العمومية، حيث يقوم المُستهلكون والشركات بسداد الديون بدلاً من الإقتراض والإستثمار.
هذه هي الطريقة التي يبدأ بها ( الكساد Depression )، وأن العلاج الوحيد هو التحفيز المالي السريع والكبير والمُستدام، وهو غير وشيك، نظرًا لمخاوف الديون الصينية.
علاوة على ذلك، إن الحوافز التي تُقدم، يجب أن تكون مُنتجة، وأن تكملها تغييرات تسمح للقطاع الخاص بالخروج من ظل الدولة، بما في ذلك من خلال تحسين العلاقات مع دول المصدر للإستثمار الأجنبي.
لقد ولّد الإستثمار في البنية التحتية في السنوات الأخيرة ديونًا أكثر من النمو، حيث ديون الصين ( ٣ أضعاف الناتج المحلي الإجمالي GDP في عام ٢٠٢٢ ).
في الوقت الذي تحاول فيه الإقتصادات الكبرى تقليل الإعتماد على الصين، تظل الحكومة الصينية ( عالقة في معارك تجارية متبادلة )، وأهمها، فيما يخص المعادن النادرة والمستخدمة في أشباه الموصلات الإلكترونية.
قال ريتشارد كو Richard Koo، كبير الإقتصاديين في معهد نومورا Nomura Research Institute للأبحاث، لوكالة رويترز :-
” في كل مرة تعلن فيها الولايات المتحدة عن سياسة معادية للصين، ترد الحكومة الصينية بسياسة مماثلة، لكن الأمريكيين ليسوا مشمولين بفخ الدخل المتوسط، بينما الصين تعاني من هذا الفخ “.
“ إذا لم يحقق الصينيون أحلامهم الصينية، فربما سيكون لدينا ١.٤ مليار شخص، ليسوا سعداء للغاية، الأمر الذي قد يؤدي إلى زعزعة الاستقرار إلى حد ما “

توقعات الأمم المتحدة بأن الهند تصبح ضعف سكان الصين في عام ٢١٠٠
حيث تعاني الصين من الشيخوخة وقلة الولادات






