
لقد أعطى حدث عسكري في الأيام القليلة الماضية لمحة نادرة عما يحدث حقًا خلف الكواليس في الصين، في 17 كانون الثاني/يناير 2025، أقامت اللجنة العسكرية المركزية في الصين، وهي أعلى هيئة عسكرية تشرف على جيش التحرير الشعبي الصيني، حفلًا لكبار العسكريين والمُحاربين القدامى في العاصمة الصينية بكين، وكالعادة، حضر الزعيم الأعلى الصيني شي جين بينغ البالغ من العمر 71 عامًا.
يأتي الحدث السنوي قبل فترة قصيرة من عطلة رأس السنة الصينية الطويلة، هذا العام، بدأت فترة إجازة مدتها ثمانية أيام يوم الثلاثاء، حيث صدح تلفزيون الصين المركزي المملوك للدولة ببرنامجه الإخباري المسائي الرئيسي في 18 كانون الثاني/يناير 2025، مع الحفل باعتباره القصة الرئيسية لهذا اليوم، وفقًا للتقاليد، ولكن كان هناك فرق كبير هذا العام.
تم تكبير صورة مقطع فيديو طويل للحدث على الرئيس الصيني، الذي يشغل في نفس الوقت منصب رئيس اللجنة العسكرية المركزية للحزب الشيوعي الصيني، (لمرة واحدة فقط)، بينما كان يشاهد أداء فرقة الفنون التابعة لجيش التحرير الشعبي.
حتى في داخل الجيش، الرئيس الصيني شي يعتبر جوهر الحزب الشيوعي الصيني، وبالتأكيد يختلف بوضوح عن نائبي رئيس اللجنة العسكرية المركزية الحاليين – الجنرال تشانغ يوشيا، 74 عامًا، والجنرال هي ويدونغ، 67 عامًا، ناهيك عن نواب رئيس اللجنة العسكرية المركزية السابقين.

في الماضي، إذا كان هناك (تقييد) على التغطية الإخبارية للرئيس الصيني في حفل ما، فكان ذلك للحد من عدد المرات التي يمكن أن يظهر فيها (الرئيس) برفقة كبار العسكريين والمحاربين القدامى، لكن هذا الوضع أنقلب هذا العام.
في البداية، تُظهر لقطات التلفزيون لهذا العام الرئيس الصيني يدخل مكان الحدث برفقة الجنرال تشانغ يوشيا والجنرال هي ويدونغ، ثم يصافح المُحاربين القدامى قبل أن يجلس على مقعده.
يمكن كذلك مشاهدة الرئيس الصيني حيث كان يشاهد أداء فرقة الفنون التابعة لجيش التحرير الشعبي، أولاً مع نائبي رئيس اللجنة العسكرية المركزية الحاليين وثلاثة نواب سابقين لرئيس اللجنة العسكرية المركزية ثم كجزء من مجموعة أكبر من 11 من القادة العسكريين الحاليين والسابقين.
في العام الماضي، قدمت قناة سي سي ني في CCTV الحكومية الصينية، تقريرًا عن الحفل بطريقة سلطت الضوء على الرئيس الصيني، حيث قدمت له أربع لقطات مُقربة، واحدة بالقرب من البداية، كان ذلك كافيًا لجعل المُشاهد يعتقد أن الحدث أقيم على شرف (الرئيس الصيني) وليس لضباط عسكريين مُتقاعدين.
في حفل هذا العام، حافظ الرئيس الصيني على مستوى المبتعد عن الانظار.
يقول بعض المراقبين، إن الحقائق السياسية لم تمنح الرئيس الصيني أي خيار آخر للظهور بغير ذلك، بينما يستشهد آخرون بدستور الحزب، الذي يحظر أي شكل من أشكال عبادة الشخصية، حتى لا يخلق دكتاتورًا.

يأتي دستور الحزب (الشيوعي) قبل الدستور الصيني، حيث يُشرف الحزب على كل شيء في البلاد، على الأقل فيما يتعلق بالأحداث العسكرية، فإن عبادة شخصية الرئيس الصيني، التي أعتبرها البعض مُشكلة، قد ضَعفت بشكل كبير.
على الرغم من مراجعة دستور الحزب الشيوعي في مؤتمره الوطني الأخير في عام 2022، فإن حَظر عبادة الشخصية لا يزال دون تغيير.
كما حدث مع تلفزيون الصين المركزي، تجنبت صحيفة جيش التحرير الشعبي الصيني، الناطقة باسم اللجنة العسكرية المركزية، تسليط الضوء على الرئيس الصيني في مقالتها التي نشرتها على الصفحة الكاملة عن الحفل، ولم تذكر المقالة الرئيس الصيني…. حتى بالاسم!
يتناقض هذا بشكل حاد مع تغطية الصحيفة لحدث العام الماضي، والتي أشارت مراراً وتكراراً إلى (شي) بالاسم، بما في ذلك ذكر “فكر شي جين بينغ في تعزيز الجيش”.
لماذا هذا التحول؟
حتى العام الماضي، أشرف مياو هوا على “العمل السياسي” داخل الجيش، وبصفته عضواً في اللجنة العسكرية المركزية ورئيساً لقسم العمل السياسي في اللجنة العسكرية المركزية، قيل إن مياو هوا كان يد الرئيس الصيني داخل الجيش،حيث كان مسؤولاً عن الدعاية داخل الجيش والعلاقات مع الصحافة حتى أواخر نوفمبر/تشرين الثاني 2024، عندما تم إيقافه فجأة عن منصبه بسبب الاشتباه في إرتكابه إنتهاكات خطيرة للانضباط العسكري.
من سلامة القول، إن عادة وسائل الإعلام في التركيز على الرئيس الصيني، ومنحه تغطية رفيعة المستوى في الأحداث المُتعلقة بالجيش قد تأسست عندما كان مياو هوا المسؤول الأعلى المسؤول عن العمل السياسي داخل الجيش.

في ديسمبر/كانون الأول 2024، نشرت صحيفة جيش التحرير الشعبي الصيني سلسلة من التعليقات التي أكدت على الحاجة إلى القيادة الجماعية و الديمقراطية داخل الحزب، ومنذ ذلك الحين، لم تتضمن التغطية الإعلامية للأحداث المتعلقة بالجيش سوى عدد أقل كثيراً من الصور المقربة للرئيس الصيني.
وقد فُسِّرَت تعليقات صحيفة جيش التحرير الشعبي الصيني على أنها تحتوي على إنتقادات لتركيز السلطة في أيدي الرئيس الصيني، وقد نُشرت هذه التعليقات بعد فترة وجيزة من (تعليق) مياو هوا عن منصبه.
ولم يكن أمام الرئيس الصيني أي خيار سوى التخلص من مياو هوا بشكل فعال بعد أن أتهمته فصائل غير رئيسية داخل الحزب الشيوعي، والتي ليست قريبة من الرئيس الصيني، بارتكاب إنتهاكات تخص الإنضباط العسكري.
لم يترك تعليق مياو هوا من منصبه سوى خمسة أعضاء من اللجنة العسكرية المركزية لحضور الحفل، حيث جلس ستة جنرالات مُتقاعدين في نفس الصف مع الرئيس الصيني.
إن الجنرالات الستة القُدامى معروفون جيداً، بل ويرمزون حتى إلى عصور أسلاف الرئيس الصيني الحالي الثلاثة ــ دينغ شياو بينغ، وجيانغ تسي مين، وهو جين تاو، ومن بين هؤلاء الجنرالات كاو جانغ تشوان، 89 عاماً.
كان من بين الحاضرين كذلك وو شينغلي، وهو أميرال مُتقاعد يبلغ من العمر 79 عامًا، كانت تدور حوله شائعات مقلقة ذات يوم، وظهر مقال يركز على عودته الواضحة إلى الحفل على وسائل التواصل الاجتماعي الصينية.
منذ توليه منصب الزعيم الأعلى للصين في نوفمبر/تشرين الثاني 2012، شن الرئيس الصيني شي جين بينغ حملة شرسة على الفساد، مما أثار عاصفة واجه فيها العديد من الضباط العسكريين شائعات حول إحتمال التخلص منهم.
حتى الآن، لا يزال مكان وجود بعض الجنرالات العاملين في جيش التحرير الشعبي والضباط برتبة فريق غير واضح مع إستمرار الصراع الداخلي على السلطة داخل المؤسسة العسكرية، و قد يرتكب أي مسؤول رفيع المستوى أستمتع بالحفل خطأً …. وينتهي به الأمر إلى خسارة منصبه!
على الرغم من ضعف عبادة شخصية الرئيس الصيني (شي جين بينغ) إلى حد ما في أعقاب تغيير طفيف في السياسة داخل المؤسسة العسكرية، إلا أنه لا يزال يتعين علينا أن نرى ما إذا كانت هذه الحالة ظاهرة مؤقتة.
في أوائل فبراير/شباط 2025، عندما تنتهي فترة العطلة الطويلة للسنة الصينية الجديدة، ستبدأ الاستعدادات للدورة السنوية للمؤتمر الشعبي الوطني، البرلمان الصيني.
من المُقرر أن تعقد الدورة في مارس/آذار 2025، وسوف يركز الإهتمام على التغييرات الرئيسية في الأفراد، بما في ذلك تلك التي تطرأ داخل المؤسسة العسكرية.
وقد تركز الدورة كذلك على المؤامرات السياسية التي تعيد تشكيل العلاقة بين الرئيس الصيني (شي جين بينغ) والمؤسسة العسكرية.
(مقتبس من مقال رأي في موقع نيكي آسيا – كاتسوجي ناكازاوا)





