مقال رأي وتحليلات

إيران عليها إختيار اما المواجهة مع دونالد ترامب، أو التفاوض!

تبدأ إيران عام 2025 وهي ضعيفة للغاية، محرومة من أغلب وكلائها الإقليميين وخصوصا الحلفاء الرئيسين في الشرق الأوسط، سوريا، و كما يعاني إقتصادها من العقوبات، ويشهد تدهورا كبيرا، حيث يتصاعد السخط الشعبي يوماً بعد يوم، وينظم الإيرانيون إضرابات و إحتجاجات على ظروف المعيشة السيئة، حتى أنه شاع خبر مفاده بإن المرشد الأعلى في إيران علي خامنئي، الذي سيبلغ السادسة والثمانين من عمره بعد 3 أشهر فقط، يعاني من تدهور صحته، وإمكانية أن يكون ابنه (غير المرغوب به) خليفته

إن الوضع المحفوف بالمخاطر في إيران يقدم خيارا للحكام هناك، وللإدارة القادمة للرئيس المُنتخب دونالد ترامب، اما التفاوض أو المواجهة، وسوف يشكل القرار الذي يتخذه طرف معين، رد فعل من الطرف الأخر، في هذه اللحظة المحورية.

والواقع أن أفضل مسار للمنطقة والعالم هو التفاوض، أما البديل ــ الصراع الشامل ــ فسوف يكون كارثيا.

بالنسبة لإيران، فإن التفاوض سوف يتطلب بعض التعديلات السياسية المؤلمة، في البداية يتعين على قادتها أن يوقفوا عدوانيتهم ​​في المنطقة، ويجددوا المُحادثات حول وقف تطوير السلاح النووي ــ الذي يُعتقد الآن أنه لا يزال على بعد أشهر، إن لم يكن أسابيع، من خط تطوير الأسلحة النووية.

كما يتعين على إيران أن تطلق يد السياسيين الإصلاحيين، الذين يريدون مُحاولة إصلاح الاقتصاد الإيراني المُتضرر والسعي إلى تخفيف العقوبات الأميركية، ويتعين عليها كذلك أن تخفف من علاقتها (الودية جدا) مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتن، وأن تتوقف عن تزويد الجيش الروسي بطائرات بدون طيار وصواريخ قصيرة المدى لإستخدامها ضد أوكرانيا.

هذا المسار منطقي، نظراً للطريقة التي وصلت بها إيران إلى موقفها الضعيف الحالي، من حيث تعرض حماس في غزة وحزب الله في جنوب لبنان، الوكيلان الإقليميان الرئيسيان لـ”محور المقاومة” الإيراني، للتدمير على يد الحملة العسكرية الإسرائيلية التي لا هوادة فيها، والتي أطلقت رداً على الهجوم الإرهابي الذي شنته حماس في السابع من تشرين أول/ أكتوبر 2023.

فقط يتبقى الحوثيون في اليمن، هم الوحيدون الذين ما زالوا يطلقون الصواريخ على إسرائيل، لكن الإسرائيليين قاموا بإستهداف موانئ اليمن ومنشآت النفط والمطار الدولي في صنعاء، لذا فمن حسن الحظ أن أذى الحوثيين سوف ينتهي قريباً.

في الشهر الماضي، تمكن تحالف من المتمردين مدعوم إلى حد كبير من تركيا من التقدم عبر سوريا والإطاحة بالديكتاتور المكروه بشار الأسد، الحليف الرئيسي لإيران، مما أدى إلى تعجيل الانسحاب العسكري الإيراني من هناك.

في غضون ذلك، يعاني الاقتصاد الإيراني من سنوات من سوء الإدارة الحكومية والعقوبات الأمريكية، حيث بلغ متوسط ​​التضخم في العام الماضي حوالي 30% – إنخفاضًا من حوالي 40% في عام 2023 – وفقدت العملة الايرانية – الريال نصف قيمتها.

بدورهم نظم أصحاب المتاجر، الممرضات، عمال الموانئ والمتقاعدون إحتجاجات على التضخم والأجور والمزايا غير المدفوعة أو المتأخرة.

أضف إلى هذا، التقارير التي تفيد بأن المرشد الأعلى مريض، وأن كبار رجال الدين في إيران اختاروا (سراً) ابنه مجتبى خامنئي خلفًا له لكنهم يخشون الغضب العام والاضطرابات لدرجة أنهم لا يعلنون ذلك، حيث يُعرف مجتبى خامنئي بدوره في قمع إنتفاضة شعبية بعنف في عام 2009.

iran bow

(الصورة بواسطة الذكاء الاصطناعي لاتمثل بالضرورة شخصية معينة)

في مثل هذه الحالة الضعيفة، قد ترغب إيران في إيجاد بعض التكيف مع الغرب، بما في ذلك الولايات المتحدة، التي طالما وصفها رجال الدين بأنها “الشيطان الأكبر”، والواقع أن وزير الخارجية عباس عراقجي أشار هذا الشهر إلى أن بلاده مُنفتحة على مُحادثات مُتجددة.

إن المسار البديل ــ المواجهة ــ قد ينطوي على محاولة إيران إنتاج سلاح نووي في أقرب وقت ممكن، وقد يعني هذا أن القادة الإيرانيين يزيدون من القمع في الداخل لإخماد جمر الاضطرابات، وقد يحاولون كذلك توسيع الإرهاب في مختلف أنحاء الشرق الأوسط والعالم.

قد يقتربون أكثر من (روسيا و الصين)، فقد قبلت إيران مؤخرا الدعوة للإنضمام إلى مجموعة البريكس، التي تتألف في البداية من البرازيل، روسيا، الهند، الصين وجنوب أفريقيا، والتي تهدف إلى تحدي الهيمنة المالية العالمية للولايات المتحدة (الدولار).

ويواجه الرئيس المنتخب دونالد ترامب كذلك خيارا بشأن كيفية التعامل مع إيران، فقد يختار المواجهة معها، منذ اللحظة التي يتولى فيها منصبه في العشرين من كانون الثاني/يناير 2025.

image47 1

(الصورة بواسطة الذكاء الاصطناعي)

وقد يعني هذا أن الولايات المتحدة قد تزيد من ما أطلق عليه مساعدو الرئيس المُنتخب حملة “الضغط الأقصى”، بما في ذلك توسيع العقوبات وتنفيذ العقوبات القائمة بشكل أكثر قوة، وقد يعني هذا فرض عقوبات ثانوية أكثر صرامة ضد البلدان والشركات الأخرى التي تتعامل تجاريا مع إيران.

وقد يأمر الرئيس المنتخب دونالد ترامب حتى بشن ضربات عسكرية مُباشرة ضد المنشآت النووية الإيرانية أو، على الأرجح، الموافقة على ضربة إسرائيلية ضد تلك المنشآت.

ولكن خيار المواجهة مع إيران يحمل مخاطر، حتى لو كان النظام لا يحظى بشعبية، فالضربة العسكرية التي تشنها الولايات المتحدة وإسرائيل من شأنها أن تمكن القادة من حشد الرأي العام (حولهم)، وقد أظهر التأريخ الحديث أن التدخلات العسكرية في الشرق الأوسط غالبا ما تكون لها عواقب غير مقبولة، ولنتأمل هنا (الفوضى في ليبيا).

الخيار الأفضل أمام الرئيس المنتخب دونالد ترامب هو العودة إلى المفاوضات، حيث في حملته الأولى للرئاسة، أنتقد (بدفع من الجمهوريين المتشددين ضد إيران) الاتفاق النووي الإيراني الذي تم التفاوض عليه خلال إدارة الرئيس باراك أوباما، منذ 2013، وحتى الاتفاق عليه في 2015، وبدأ تطبيقه في عام 2016، وعندما أصبح دونالد ترامب رئيساً، انسحب من الاتفاق في عام 2018، ولم يتحقق وعده بالتفاوض على شيء أفضل، ولم يسفر وعد الرئيس الأمريكي جو بايدن الذي تلاه بالعودة للإتفاق النووي، بشيء يذكر.

الآن أصبح لدى الرئيس المنتخب دونالد ترامب فرصة جديدة، ولنأمل أن يستغل هو ونظراؤه في إيران هذه اللحظة على النحو الأمثل ــ قبل أن تمر.

(ترجمة بتصرف لمقال رأي بواسطة هيئة تحرير صحيفة واشنطن بوست حول الوضع الايراني الحالي بعد عودة دونالد ترامب للسلطة)

للإستماع للمقال

أقرأ المزيد

المقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

عذراً، لايمكن نسخ المحتويات