كلما ضغطت إسرائيل و الولايات المتحدة ضد إيران، إزداد إقترابها من الحصول على القنبلة النووية
لقد أشعلت الصراعات الأخيرة في الشرق الأوسط نقاشاً مفتوحاً بين النخبة السياسية في إيران حول ما إذا كان ينبغي للبلاد تسليح (السعي للحصول على القنبلة النووية) برنامجها النووي الضخم، ويبدو الأساس المنطقي للقيام بذلك، من منظور القيادة الإيرانية، أكثر إقناعاً من أي وقت مضى.
تحتاج إيران إلى إعادة إرساء توازن الردع مع أعداءها (المفترضين) القديمين إسرائيل و الولايات المتحدة، لردع هؤلاء الخصوم من مهاجمتها أو تنفيذ تغيير للنظام (نظام الجمهورية الإسلامية)، حيث أعتمدت على نهج ثلاثي الأبعاد يركز على الصواريخ، الميليشيات والبرنامج النووي.
للتعويض عن ضعف قوتها الجوية، أستثمرت إيران بكثافة في برنامجها الصاروخي، مما جعل ترسانتها واحدة من أكثر الترسانات تقدما في المنطقة (*بحسب التقديرات المختلفة)، كما ترسخ إيران إستراتيجيتها للحرب غير المتكافئة من خلال ما يسمى بسياسة “الدفاع الأمامي” بإستخدام الجهات الفاعلة غير الحكومية المُسلحة (المليشيات) لتطويق إسرائيل وتطويق الوجود العسكري الإقليمي للولايات المتحدة، و تعبئة هذه القوات للهجوم إذا لزم الأمر.
لقد عملت إيران على تنمية علاقاتها مع الجماعات المُعادية للولايات المتحدة وإسرائيل، وبناء ما يسمى “محور المقاومة”، وتزويدها بالأسلحة – بما في ذلك الصواريخ و الطائرات بدون طيار المتطورة – وكذلك التدريب والدعم المالي.
مع ذلك، تلقت قدرات الصواريخ الإيرانية و “محور المقاومة” ضربة قوية في الأشهر الأخيرة، حيث وجه الهجوم الإسرائيلي ضد شريك إيران الأكثر ثقة وقدرة، حزب الله في لبنان، ضربة لترسانته و مقاتليه و هيكل القيادة.
لقد شعرت إيران بالإهانة بسبب قدرة إسرائيل على إغتيال زعيم حماس إسماعيل هنية أثناء وجوده في العاصمة طهران هذا الصيف، بعد لقاء له مع مرشد إيران بساعات، و بعد مقتل زعيم حركة حماس يحيى السنوار هذا الشهر، (ومقتل صفي الدين، الذي من المفترض أن يكون زعيما جديدا لحزب الله، بعد قتل حسن نصرألله)، يبدو أن إسرائيل عازمة على مواصلة رفع الرهانات لإقامة نظام إقليمي جديد.
رغم أن حماس و حزب الله سيستمران في تقويض الأمن الإسرائيلي، فإن قدرة هذه الجماعات على التعبئة للدفاع عن إيران تبدو متضائلة بشدة بينما تقاتل من أجل بقائها، وفي الوقت نفسه، ضاعفت الولايات المتحدة جهودها لحماية إسرائيل، ونقل أنظمة مضادة للصواريخ جديدة إلى البلاد (منظومة ثاد المتطورة)، جنبًا إلى جنب مع القوات الأمريكية لتشغيلها، في محاولة لصد الهجمات المستقبلية من إيران وحلفائها.

ربما يكون أكبر نقطة ضعف لدى إيران هي ضبط النفس، فعلى مدار العام الماضي، أمتنع المرشد الأعلى الإيراني، علي خامنئي، مرارًا و تكرارًا من شن حرب مباشرة مع إسرائيل و الولايات المتحدة، كما أبتعد عن إثارة هجوم كامل من قبل جبهة محور المقاومة، وقد فسرت إسرائيل هذا الضبط على أنه ضعف و أستغلته.
وقد عزز هذا التحول في الردع الإقليمي الحجة في إيران لصالح (المظلة النووية)، فقد حصلت إيران بالفعل على وضع العَتبة النووية، الأمر الذي وضعها عند نقطة التحول نحو التسلح (النووية).
يمكن لإيران تطوير ما يكفي من المواد لصنع قنبلة نووية في غضون أسبوع واحد فقط، حيث يقدر بعض الخبراء أنها قد تبني رأسًا نوويًا لحمل هذه القنابل في غضون عدة أشهر، و على نفس النحو الذي حققت به الهند و باكستان سلامًا باردًا نسبيًا، فقد تسعى إيران إلى السيطرة على سلوك إسرائيل من خلال إعادة التوازن بواسطة (الردع النووي).
هناك حجة أخرى، قد تدفع إيران للحصول على القنبلة النووية، وهي أن البلاد دفعت بالفعل التكلفة العالية لتصبح دولة تمتلك أسلحة نووية دون الحصول على الفوائد المُتصَورة لإمتلاك القنبلة! (*الردع النووي)
منذ إنسحاب إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من الإتفاق النووي لعام 2015، و الذي كانت إيران مُلتزمة به بالكامل في ذلك الوقت، فرضت الولايات المتحدة أكبر عقوبات لها حتى الآن على إيران.
تدهورت العلاقات الغربية مع إيران بشكل أكبر بسبب سجل إيران المُروع في مجال حقوق الإنسان، و موقفها الإقليمي، و المساعدة العسكرية لروسيا خلال غزوها الكامل لأوكرانيا.
نظراً للمشاعر المناهضة لإيران في العواصم الغربية، فإن القيادة الإيرانية (مُحقة) في إستنتاج “أن تخفيف العقوبات الأميركية الكبرى من النوع الذي شهدناه في عام 2015 ليس في الأفق“.
وإذا كانت إيران تُعامَل بالفعل بإعتبارها دولة “منبوذة نووياً” من قِبَل الغرب، فلماذا لا تضمن الفوائد الأمنية الملموسة المترتبة على إمتلاك الأسلحة النووية؟
وأخيرا، الظروف السياسية الأقليمية الأوسع تعني اليوم أن التكاليف المُرتبطة بتحول إيران إلى “دولة نووية” أقل مما كانت عليه قبل عقد من الزمان.
التوترات بين القوى العالمية تجعل من غير المرجح على نحو متزايد أن تقف روسيا، و ربما الصين، في طريق إيران، كما تستطيع إيران أن تستغل حرب أوكرانيا من خلال الدفع إلى مقايضة معداتها العسكرية ــ التي تحتاج إليها روسيا بشدة ــ بالمعرفة النووية والتقنية و الدفاع الروسي، في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة من خلال حق النقض، حيث تخشى الولايات المتحدة بالفعل أن يَحدث هذا.
على هذه الخلفية، من المرجح أن يرى أولئك الذين يفضلون التسلح النووي داخل إيران خيارين في المستقبل:
1-إما أن يتم تدمير المنشآت النووية الإيرانية في نهاية المطاف من قبل إسرائيل و الولايات المتحدة أولا، ثم يتعثر مسعى إيران، نحو الأسلحة النووية على مدى فترة زمنية أطول مع استنزاف الموارد،
2- أو تبدأ إيران في التسلح النووي الآن، في حين تمتلك قدرات نووية متقدمة ،و إسرائيل غارقة في غزة ولبنان.
قد يميل الإستراتيجيون الإيرانيون إلى الخيار الأخير عندما يواجهون محور مقاومة ضعيفا، و قوة عسكرية إسرائيلية أميركية هائلة و إسرائيل مستعدة لضرب المواقع النووية الإيرانية.
على الرغم من إحتمال تعرض البلاد للقصف من جانب إسرائيل و الولايات المتحدة طيلة هذه العملية، فإن القيادة الإيرانية قد تستنتج أنها قادرة على تحمل وطأة العمل العسكري والخروج منه أقوى.
بعد الضربات التي تلقتها قدرات الردع الإيرانية، هناك خطر حاد يتمثل في سعي إيران إلى الحصول على القنبلة النووية، حيث يتعين على الحكومات الغربية أن تتحرك الآن لتغير النقاش الداخلي داخل إيران لتجنب هذه النتيجة.
إيران النووية قادرة على التصرف بقدر أعظم من الإفلات من العقاب في الداخل والخارج، ومن المؤكد تقريبا أن هذا من شأنه أن يؤدي إلى سباق تسلح نووي في مختلف أنحاء الشرق الأوسط، ومن شأن هذه النتيجة أن تجعل المنطقة القريبة من أوروبا أكثر خطورة، ليس فقط بسبب زيادة خطر الصراع العنيف بين الدول، بل كذلك بسبب خطر حصول الجماعات الإرهابية على الأسلحة النووية.
و تحتاج الحكومات الغربية إلى تحذير قادة إيران من أن قرارهم بتسليح البرنامج النووي للبلاد سوف يأتي بنتائج عكسية، ومن المرجح أن يوفر التحول إلى دولة نووية لقادة إيران ضمانات أكبر ضد التدخل العسكري واسع النطاق وتغيير النظام المفروض من الخارج.
ولكن، سوف يُعرض إيران لدورات متتالية من الضربات العسكرية و الهجمات الإلكترونية و الاغتيالات، و إن الأسلحة النووية الإيرانية المُستقبلية لن تردع إسرائيل عن مهاجمة إيران ــ تماماً كما لم تردع إيران عن إتخاذ الخطوة غير المسبوقة هذا العام بإطلاق أعداد كثيرة من الصواريخ على إسرائيل، التي تمتلك “القوة النووية”!
خلال العام الماضي، لم تَسع أوروبا والولايات المتحدة بجدية إلى إيجاد مخرج سياسي مع إيران، فقد وقعت الولايات المتحدة ــ بسبب سلوك إسرائيل و إيران ــ في فخ حَلقة التصعيد، و يبدو أنها مُستعدة للعب بورقة عسكرية فقط.
بظل غياب أجندة سياسية (من قبل الدول الغربية)، أصبح إندفاع إيران نحو القنبلة النووية نبوءة تحقق ذاتها، ويكشف التأريخ أنه كلما نفذت الولايات المتحدة و إسرائيل هجمات داخل إيران، كلما أقتربت إيران من القنبلة النووية.
إن الحالات التي حولت فيها الولايات المتحدة و أوروبا حسابات إيران بعيداً عن التسلح النووي كانت تنطوي على دبلوماسية جادة، وتتألف الحكومة الإيرانية الجديدة من “تكنوقراطيين” لديهم تأريخ طويل في دعم المفاوضات مع أوروبا والولايات المتحدة، ونفذوا الصفقات التي تم التوصل إليها، حيث عمل الرئيس الإيراني الجديد الإصلاحي مسعود پیزشكيان على تعزيز إنفتاح حكومته على الدبلوماسية مع الغرب ــ ولابد الآن من إختبار هذه النية.
في هذا المسعى الدبلوماسي، ينبغي لتحالف من الحكومات الغربية الراغبة أن يتحالف مع الدول العربية مثل المملكة العربية السعودية، الإمارات العربية المتحدة، قطر والعراق، والتي تتمتع من بينها بنفوذ ملحوظ لدى إيران و إسرائيل والولايات المتحدة.
الواقع أن مساراً جديداً من السعي إلى الدبلوماسية مع إيران ضمن تحالف من الجهات الفاعلة الإقليمية هو أفضل وسيلة لفتح الباب أمام الغرب لمنع الحرب الإيرانية الإسرائيلية من الخروج عن نطاق السيطرة وإفساح المجال على نطاق أوسع للحد من التوترات بشأن قضايا أخرى.
وفي حين أن هناك قدراً كبيراً من انعدام الثقة بين إيران والغرب في هذه اللحظة، فإن الجانبين في حاجة إلى الإنخراط في دبلوماسية صارمة قائمة على المعاملات لتصحيح المسار، و إلا فإن المسار الحالي سوف يقود إلى أسوأ شيء.
(ترجمة بتصرف عن مقال في مجلة الفورن پولسي)






