سياسية

هل یُعتبر الرئيس الإيراني الحالي إصلاحياً كما يَزعم مناصروه؟

بعد حصوله على المؤهلات العلمية من خلال دراسته في مجال الطب، تولى بعدها مناصب قيادية في المجال الطبي، دخل الرئيس الإيراني الحالي، الأذري الأصل، مسعود پيزيشكيان إلى عالم السياسة كنائب لوزير الصحة خلال الفترة الأولى من ولاية الرئيس الإيراني محمد خاتمي.

هذه الفترة، التي يشير إليها أنصار الرئيس الحالي، الدوليون، كدليل على حسن نيته الإصلاحية، و يكررون الادعاء بأنه أنحاز إلى الطلاب الذين أحتجوا من أجل التغيير السياسي في عام 1999.

مع ذلك، هناك القليل من الأدلة على أن الرئيس الحالي في وقتها تصرف نيابة عن المُحتجين الطلاب، و لعل أفضل دليل على ذلك هو قراره بعدم الإستقالة، مثل الأعضاء الأخرين في مجلس الوزراء، بعد أن سمح الرئيس محمد خاتمي للحرس الثوري الإيراني بقيادة حملة قمع عنيفة عبر الحرم الجامعي.

و بدلاً من تقديم الإستقالة كالأخرين، حصل مسعود پيزيشكيان على ترقية في الفترة الثانية من ولاية الرئيس الإيراني محمد خاتمي، و من خلال دعم شقيق محمد خاتمي المؤثر، رضا، تمكن من تأمين منصب وزير الصحة في عام 2001.

أتسمت فترة مسعود پيزيشكيان كوزير للصحة بالجدل، حيث في أحد التصريحات العامة سيئة السمعة، هدد (بصفع رئيس الولايات المتحدة، في وقتها بيل كلينتون على وجهه)، في الوقت الذي كان فيه الرئيس الإيراني محمد خاتمي يسعى فيه (ظاهريًا) إلى تحسين العلاقات الثنائية مع الولايات المتحدة!

كما واجه مسعود پيزيشكيان المُساءلة بسبب قضايا تتعلق بتعيين الموظفين، سياسات الأدوية، التعريفات الطبية، والزيارات الخارجية.

بعد ثلاث سنوات من توليه منصب وزير الصحة، غير مسعود پيزيشكيان طموحاته السياسية، و ترشح لمقعد برلماني في مدينة تبريز (العاصمة السياسية لمحافظة أذربيجان الشرقية) في عام 2008.

رغم أن هذا جاء خلال فترة تم فيها تهميش “الإصلاحيين” داخل سياسة النظام الإيراني، فقد سُمح لمسعود پيزيشكيان بتولي هذا المقعد، و أثناء وجوده في البرلمان، أسس لنفسه مكانة كمُدافع عن الفصيل “المُعتدل” المزعوم في النظام، والذي سيبقى ثابتًا ضمن الحدود السياسية التي حددها على خامنه‌ای.

كان أحد أول أعمال مسعود پيزيشكيان في هذا المنصب الجديد هو الدفاع عن سلمان خدادادي، ضابط الحرس الثوري الإيراني و عضو البرلمان المُتهم بإرتكاب أعمال عنف جنسي، حيث بعدها واصل سلمان خدادادي تقديم المشورة لمحمد جواد ظريف، الذي أصبح الآن أحد أشد مؤيدي (الرئيس الإيراني الحالي) مسعود پيزيشكيان.

في عام 2009، أنتقد مسعود پيزيشكيان حملة القمع ضد المُحتجين (ما يسمى بالثورة الخضراء، وقادتها لغاية الأن تحت الإقامة الجبرية، بعد مرور 15 سنة)، في أعقاب الإنتخابات الرئاسية المُزورة (خلال الفترة الرئاسة الثانية لمحمود احمدى نجاد)، ولكن، بدلاً من دعم الإحتجاجات بشكل مُباشر، زعم ببساطة أن النظام يجب أن يكون أقل عُنفًا في قمعه (للمحتجين).

بعد إعادة إنتخابه للبرلمان في عام 2012، سجل مسعود پيزيشكيان نفسه كمرشح رئاسي في سباق 2013، ومع ذلك، أنسحب بُسرعة لصالح الرئيس السابق علي أكبر هاشمي رفسنجاني (توفي في عام 2017، أحد الفرضيات بأنه تم قتله بواسطة النظام)، الذي رفضه مجلس صيانة الدستور كمرشح للرئاسة.

في ظل هذه الظروف، ألقى مسعود پیزيشكيان بثقله خلف حسن روحاني، الذي فاز في النهاية بالإنتخابات الرئاسية، بعد فشل الفصائل المُتشددة (المحافظين +المُتشددين) في توحيد موقفها.

دعم مسعود پيزيشكيان أجندة الرئيس الجديد حسن روحاني في البرلمان، و خاصة جهوده للتفاوض على خطة العمل الشاملة المشتركة (الإتفاق النووي لعام 2015)، بين إيران و الدول الغربية.

بعد ثلاث سنوات من ولاية حسن روحاني، أُعيد إنتخاب مسعود پيزيشكيان مرة أخرى للبرلمان، مما سمح له بالصعود إلى دور قيادي كنائب لرئيس البرلمان في عام 2016.

بعد إعادة انتخاب الرئيس الإيراني حسن روحاني، لدورة ثانية، حافظ مسعود پيزيشكيان على منصبه كواحد من أكثر المؤيدين البرلمانيين للرئيس، حيث دعا إلى إستمرار المفاوضات لإنقاذ عناصر خطة العمل الشاملة المشتركة (الإتفاق النووي لعام 2015) بعد إنسحاب الولايات المتحدة في عام 2018، على النقيض من المُتشددين مثل سعيد جليلي (الذي كان منافسا قويا، من القومية الفارسية في الإنتخابات التي وضعت مسعود پيزيشكيان كرئيس للبلاد، بدعم الغالبية الأذرية).

في نهاية المطاف، من وجهة نظر مسعود پيزيشكيان، فإن مثل هذه المفاوضات ضرورية من أجل تأمين الحفاظ على النظام لتخفيف العقوبات، و بصرف النظر عن تبني هذا الموقف، ظل مسعود پيزيشكيان على توافق مع مسؤولي النظام الأكثر تشددًا بشأن قضايا رئيسية أخرى خلال ولاية حسن روحاني الثانية.

أدان بشدة تصنيف الولايات المتحدة للحرس الثوري الإيراني كمنظمة إرهابية في عام 2019، مؤكدًا “دعمه القوي للحرس الثوري الإيراني”، بينما وصف الولايات المتحدة بـ “الإرهابيين”.

بعد تصنيف الحرس الثوري الإيراني كمنظمة إرهابية، دافع مسعود پيزيشكيان عن إرتداء زي الحرس الثوري الإيراني في البرلمان الإيراني وأعلن بأنه سوف يرتدي زي الحرس الثوري الإيراني مرة أخرى، و إذا لم يكن الحرس الثوري الإيراني موجودًا، فسوف تنقسم الأمة.

كما حزن مسعود پيزيشكيان بشدة على مقتل قاسم سليماني (في العراق 2020) بواسطة طائرة بدون طيار أمريكية، خلال فترة رئاسية دونالد ترامب.

خلال الإحتجاجات الواسعة النطاق في إيران في نهاية عام 2019 وبداية 2020، حث الشعب الإيراني على دعم الجمهورية الإسلامية ضد الولايات المتحدة، التي زعم أنها “تقف بكل قوتها لإرغامنا على الركوع”، و بدلاً من إدانة حملات القمع من النظام ضد المحتجين، دعا النظام مرة أخرى إلى إتباع نهج أكثر دهاءً و “شفافية” للحد من المُعارضة (للنظام).

في عام 2020، فقد مسعود پيزيشكيان منصبه كنائب لرئيس مجلس النواب، حيث فازت الفصائل الأكثر تشددًا في الإنتخابات البرلمانية في ذلك العام.

بعد إحتفاظه بمقعده، في البرلمان كعضو، شن مسعود پيزيشكيان حملة رئاسية في العام التالي للسعي إلى تخفيف العقوبات، و إعادة دمج الإقتصاد الإيراني في النظام المالي العالمي، إلا أن مجلس صيانة الدستور لم يوافق عليه.

بعد إنتخاب إبراهيم رئيسي، عاد مسعود پيزيشكيان إلى العمل كناطق “مُعتدل” آمن للنظام، و هو الدور الذي أحتفظ به في عهد أحمدي نجاد.

وقد نال مسعود پيزيشكيان تقديرًا خاطئًا بين المؤيدين الدوليين لـ “إنتقاده الصريح” لقوانين الأخلاق القاسية و القمع ضد حركة “المرأة، الحياة و الحرية – زن، زندگی، ازادى ” في عام 2022، من قبل النظام، بعد وفاة مهسا أميني على يد شرطة الأخلاق.

بدلاً من إدانة قوانين الأخلاق التي أدت إلى وفاة مواطنة إيرانية، زَعم أن النظام كان غير كافٍ في “تثقيف” النساء، مما تسبب في عدم “أمتثالهن للوائح”.

كما ألقى باللوم على المتظاهرين، مدعيًا أنهم كانوا يضربون ضباط الشرطة، ويزيلون الحجاب عن رؤوس النساء بالقوة، ويحرقون علم الجمهورية الإسلامية!

وفقًا لمسعود پيزيشكيان، فقد حدثت هذه الجرائم بناءً على طلب من التأثيرات الأجنبية لعرقلة التحقيق السليم في وفاة مهسا أميني و التسبب في حرب أهلية.

كما أنحاز صراحة إلى الآلة القمعية للنظام الإيراني، مُشيراً إلى الشرطة و قوات الباسيج بإعتبارهم “إخوة”، في حين رد على “الإهانات الموجهة إلى المرشد الأعلى”.

من الجدير بالذكر أن مسعود پيزيشكان، تفاخر بشكل كبير بأنه لعب دوراً رئيسياً في فرض الحجاب الإلزامي و قواعد اللباس الإسلامي على النساء في المستشفيات و الجامعات في السنوات الأولى من الثورة الإسلامية.

على هذه الخلفية يسعى مسعود پيزيشكيان إلى تعزيز مسيرته السياسية و ملاحقة طموحاته الرئاسية، حيث في السنوات التي أعقبت إنتخابات عام 2022، مد النظام إلسجادة الحمراء لمسعود پيزيشكيان “الإصلاحي”.

خلال الانتخابات البرلمانية لعام 2024، تم إستبعاده في البداية كمرشح، و لكن القرار تم عكسه لاحقًا، تكهن البعض بأن هذا حدث بسبب مكائد مرشد إيران، الحاكم الفعلي للجمهورية، والذي يبدو أنه يرجع على الأرجح إلى سيطرته على مجلس صيانة الدستور.

كما أنفصل مسعود پيزيشكيان عن حلفائه السابقين داخل الفصيل “الإصلاحي”، بما في ذلك محمد خاتمي، برفضه مقاطعة المشاركة السياسية ــ محاولاً بوضوح إضفاء الشرعية على عملية تتسم بالهندسة الإنتخابية (إختيار المختار مسبقا للرئاسة)

(تم ترجمة المقال للغة العربية بتصرف عن مقال لمنظمة متحدون ضد إيران النووية UANI)

المصدر
المصدر
أقرأ المزيد

المقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

عذراً، لايمكن نسخ المحتويات