
قال مسؤولان سعوديان و أربعة مسؤولين غربيين لوكالة رويترز، إن المملكة العربية السعودية تَخلت عن سعيها لإبرام مُعاهدة دفاع طموحة مع الولايات المتحدة مقابل تطبيع العلاقات مع إسرائيل، وتدفع الآن نحو إتفاقية تعاون عسكري أكثر تواضعا.
في مسعى لإبرام مُعاهدة أمنية مُتبادلة واسعة النطاق في وقت سابق من هذا العام، خففت السعودية من موقفها بشأن الدولة الفلسطينية، قائلة للولايات المتحدة، إن الإلتزام العلني من جانب إسرائيل بحل الدولتين قد يكون كافياً لتطبيع العلاقات.
ولكن مع الغضب العام في المملكة العربية السعودية و الشرق الأوسط الأوسع نطاقا بسبب الإجراءات العسكرية الإسرائيلية في غزة، قال مصدران سعوديان وثلاثة مصادر غربية، لوكالة رويترز، إن ولي العهد الأمير محمد بن سلمان جعل مرة أخرى الإعتراف بإسرائيل مَشروطا بإتخاذ خطوات ملموسة لإنشاء دولة فلسطينية.
قال دبلوماسيون غربيون لوكالة رويترز، إن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لا يزال حريصاً على تأمين التطبيع مع السعودية، بإعتباره إنجازاً تاريخياً، وعلامة على القبول الأوسع (لإسرائيل) في العالم العربي.
لكن رئيس وزراء اسرائيل يواجه مُعارضة ساحقة في الداخل الإسرائيلي مقابل إعطاء أي تنازلات للفلسطينيين بعد هجمات حماس في السابع من تشرين أول/أكتوبر 2023، و يعلم أن أي بادرة في إتجاه إقامة دولة فلسطينية من شأنها أن تؤدي إلى تفتيت إئتلافه الحاكم، بحسب هؤلاء الدبلوماسيين.
قالت المصادر لوكالة رويترز، إن المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة، مع تقييد الزعيمين في الوقت الحالي بقواعد قوتهما المحلية، تأملان في إبرام لإتفاقية دفاع أكثر تواضعاً، قبل مغادرة الرئيس الامريكي جو بايدن البيت الأبيض في كانون الثاني/يناير 2025.
وقالت المصادر الستة لوكالة رويترز، إن المُعاهدة الأمريكية السعودية الكاملة ستحتاج إلى موافقة مجلس الشيوخ الأمريكي بأغلبية الثلثين – وهذا لن يكون مُمكنا ما لم تعترف الرياض بإسرائيل.
تتضمن الاتفاقية التي تجري مناقشتها الآن، توسيع التدريبات العسكرية المُشتركة لمواجهة التهديدات الإقليمية، وخاصة من إيران، و تعزيز الشراكات بين شركات الدفاع الأمريكية و السعودية، مع ضمانات لمنع التعاون مع الصين.
تعزز الاتفاقية الاستثمار السعودي في التقنيات المتقدمة، و خاصة الطائرات بدون طيار، وتسعى الولايات المتحدة إلى زيادة وجودها في الاراضي السعودية، من خلال التدريب، الدعم اللوجستي والأمن في مجال الإنترنت، وقد تنشر كتيبة صواريخ باتريوت لتعزيز الدفاع الصاروخي و الردع المتكامل.
لكنها لن تكون مُعاهدة دفاع مُتبادل مُلزمة من شأنها أن تلزم القوات الأميركية بحماية السعودية في حالة وقوع هجوم أجنبي.
قال عبد العزيز الصغير، رئيس معهد الخليج للأبحاث في المملكة العربية السعودية:
“ستحصل المملكة العربية السعودية على صفقة أمنية تسمح بمزيد من التعاون العسكري ومبيعات الأسلحة الأميركية، ولكن ليس مُعاهدة دفاع مماثلة لمعاهدة اليابان أو كوريا الجنوبية كما سعت اليها في البداية”.
لكن الصورة أصبحت أكثر تعقيداً بسبب وصول دونالد ترامب إلى السلطة، في حين تستبعد خُطة الرئيس دونالد ترامب لحل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني أي أحكام تتعلق بإقامة دولة فلسطينية أو سيادتها، فإنه حليف وثيق لولي العهد السعودي محمد بن سلمان.
يخشى المسؤولون الفلسطينيون، و بعض العرب، أن يقنع دونالد ترامب وصهره جاريد كوشنر – صانع “صفقة القرن” والحليف الوثيق لولي العهد – في نهاية المطاف بدعم الخُطة.
قال دبلوماسيون لوكالة رويترز، إن كيفية التوفيق بين الأولويات السعودية وهذا المشهد الدبلوماسي المتغير سيكون محوريًا، وسيحدد زعامته و مستقبل عملية السلام.
لم تفقد الإدارة الأمريكية الحالية الأمل في التوصل إلى إتفاق بشأن الضمانات الأمنية للسعودية، قبل أن يغادر الرئيس الأمريكي جو بايدن منصبه، لكن عددًا من العقبات لا تزال قائمة.
قال أحد المصادر في الولايات المتحدة، المُطلع على المُحادثات، لوكالة رويترز:
“إن هناك سببًا للتشكك في ما إذا كان هناك وقت كافٍ للتوصل إلى اتفاق”
وقال، إن المسؤولين الأمريكيين يدركوا أن المملكة العربية السعودية لا تزال مُهتمة بترسيخ الضمانات التي تسعى إليها رسميًا، وخاصة الحصول على أسلحة أكثر تقدمًا، لكنهم غير متأكدين مما إذا كانت تفضل القيام بذلك بوجود جو بايدن، أو إنتظار دونالد ترامب.
وقال:
“نواصل المناقشة ولدينا العديد من المسارات على الطاولة (مع السعوديين)”.
إن مُعاهدة دفاع تمنح المملكة العربية السعودية الحماية العسكرية الأمريكية مقابل الإعتراف بإسرائيل، من شأنها أن تعيد تشكيل الشرق الأوسط من خلال توحيد عدوين قديمين وربط المملكة العربية السعودية بالولايات المتحدة في وقت تتوغل فيه الصين في المنطقة.
وسوف يسمح ذلك للمملكة بتعزيز أمنها ودرء التهديدات من إيران وحلفائها (الحوثيين)، لتجنب تكرار ضربات 2019 على منشآتها النفطية، وإيران كانت المتهمة بذلك، ونفت إيران أي دور لها.
قال مسؤول سعودي كبير لوكالة رويترز، إن المُعاهدة أكتملت بنسبة 95٪ لكن الحكومة السعودية، أختارت مناقشة إتفاق بديل، نظرًا لأنه لا يمكن تنفيذه بدون التطبيع مع إسرائيل.
قال إثنان من المصادر لوكالة رويترز، إنه إعتمادًا على التنسيق، يمكن الموافقة على إتفاقية تعاون مُصغرة دون المرور عبر الكونغرس قبل مغادرة الرئيس الأمريكي جو بايدن لمنصبه.
كانت هناك عقبات أخرى في المفاوضات لتأمين مُعاهدة دفاع مشترك.
على سبيل المثال، لم يكن هناك تقدم في المحادثات حول التعاون النووي المدني لأن المملكة العربية السعودية رفضت التوقيع على ما يسمى باتفاقية 123 مع الولايات المتحدة، والتي كانت ستحرم السعودية من حق التخصيب النووي، حسبما قال ستة مصادر لوكالة رويترز.
قال مصدر سعودي قريب من المحادثات لوكالة رويترز، إن الإعتراضات السعودية على المواد المتعلقة بحقوق الإنسان أثبتت أنها مجال آخر للخلاف.
بينما تدافع القيادة السعودية بقوة عن إقامة دولة فلسطينية، يظل من غير المؤكد، وفقًا لدبلوماسيين، كيف سيستجيب ولي العهد السعودي (محمد بن سلمان) إذا أعاد دونالد ترامب إحياء الصفقة التي طرحها في عام 2020 لحل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
تمثل الخُطة تحولًا كبيرا جداً في السياسة الأمريكية و الإتفاقيات الدولية من خلال الإنحياز الصريح لإسرائيل، و الإنحراف الحاد عن إطار (الأرض مقابل السلام)، الذي كان يوجه المفاوضات تاريخيًا.
ستسمح لإسرائيل بضم مساحات شاسعة من الأراضي في الضفة الغربية المُحتلة، بما في ذلك المستوطنات الإسرائيلية ووادي الأردن، وتعترف بالقدس “عاصمة غير مقسمة لإسرائيل” – مما ينفي فعليًا مطالبات الفلسطينيين بالقدس الشرقية كعاصمة لهم، وهو طموح مركزي في أهدافهم لإقامة الدولة ووفقًا لقرارات الأمم المتحدة.
من خلال إضفاء الشرعية على الضم الإسرائيلي، ينظر الكثيرون إلى خطة دونالد ترامب على أنها ضربة شديدة لحل الدولتين و آمال الفلسطينيين في إقامة الدولة.
يصر المسؤولون السعوديون على أن إنشاء دولة فلسطينية وفقا للإتفاقيات الدولية السابقة، بما في ذلك القدس الشرقية عاصمة لها، و يظل شرطا أساسيا للسلام و الإستقرار الإقليميين على المدى الطويل.
ومن دون ذلك، فإن دائرة العنف ستستمر في تعريض أي علاقات طبيعية للخطر.
قال مسؤول سعودي كبير لوكالة رويترز:
“كيف يمكننا أن نتخيل منطقة مُتكاملة إذا تجاوزنا القضية الفلسطينية؟ لا يمكنكم منع حق الفلسطينيين في تقرير المصير”.
في بعض أشد الإنتقادات لإسرائيل منذ بدء حرب غزة، وصف ولي العهد محمد بن سلمان العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة بأنها “إبادة جماعية” في خطابه أمام القمة العربية والإسلامية في العاصمة السعودية، الرياض، هذا الشهر.
مع ذلك، يمكن إعادة النظر في إمكانية التطبيع السعودي مع إسرائيل في المُستقبل، ربما بمجرد أن تهدأ الأمور بعد حرب غزة – وربما تحت حكومة إسرائيلية مُختلفة، كما قال دبلوماسيون.





