مقال رأي وتحليلات

الخسائر الإستراتيجية (الحالية و المستقبلية) لإيران في الشرق الأوسط

لقد كان سقوط نظام بشار الأسد في سوريا بمثابة إنتكاسة إستراتيجية كبيرة لإيران، والخسارة الأكبر عندما تخسر حليف أخر مهم في المنطقة، وهو العراق، فيما يلي الأبعاد الإستراتيجية الحالية لهذه الإنتكاسات:-

فيما يخص سقوط نظام الأسد في سوريا

خسارة حليف رئيسي: فقدت إيران حليفًا رئيسيًا في المنطقة، والذي كان جزءأ من محور المقاومة المزعوم، بقيادة (الجمهورية الإسلامية في إيران)، حيث كان هذا التحالف حاسمًا لنفوذها الاستراتيجي في الشرق الأوسط، حيث وفر شراكة سياسية و عسكرية متكاملة بعمق في إستراتيجية إيران الإقليمية.

تعطيل طرق إمداد الأسلحة: كان تعطيل الطرق البرية و الجوية (مرورا بالعراق) المُستخدمة لإمداد حزب الله في لبنان من بين الخسائر الأكثر أهمية بالنسبة لإيران، حيث كان الممر السوري ضروريًا لإعادة تسليح ودعم الحزب، وضمان إمداد مستمر بالأسلحة والمقاتلين، و مع سقوط نظام بشار الأسد، تم قطع هذا المسار اللوجستي، مما أعاق بشكل كبير قدرة إيران على فرض قوتها ودعم حلفائها في لبنان.

تضاؤل ​​النفوذ الإقليمي: كان نظام بشار الأسد بمثابة المحور الرئيسي لاستراتيجية إيران لتوسيع نفوذها إلى البحر الأبيض المتوسط، وقد أدى انهيار الحكومة في سوريا بسرعة لا يمكن تصديقها، إلى إضعاف ما يسمى “حلقة النار” الإيرانية حول إسرائيل، مما أدى إلى تقويض إحدى استراتيجياتها الأساسية للردع والنفوذ في المنطقة.

وقد أدى هذا إلى إعادة تقييم القوة الإقليمية لإيران، حيث لم تعد تتمتع بنفس المستوى من السيطرة أو النفوذ على المشهد السياسي والعسكري في سوريا.

الإستثمار العسكري والمالي: أستثمرت إيران بكثافة في دعم نظام بشار الأسد في سوريا، سواء من حيث الأفراد العسكريين أو الموارد المالية.

تشير بعض “التقديرات”، إلى أن إيران أنفقت ما بين 30 إلى 50 مليار دولار في سوريا على مر السنين، ودعمت نظام بشار الأسد بالمُستشارين (كما تسميهم إيران) والمقاتلين والمساعدات المالية.

إن الإنهيار المفاجئ لهذا الإستثمار يعني أن القدرات العسكرية والموارد الاقتصادية الإيرانية في المنطقة قد أُستنفدت بشكل كبير دون تحقيق المكاسب الإستراتيجية المتوقعة.

التأثير على حزب الله: لقد ضعف حزب الله، الوكيل المحوري لإيران في لبنان، ونقطة قوتها ضد اسرائيل، بسبب فقدان الدعم السوري، حيث عانى الحزب كثيراً من خلال الصراعات مع إسرائيل، وبدون الدعم من خلال سوريا، فإن قدرة الحزب على التعافي والحفاظ على مستواه السابق من القوة مُعرضة للخطر بشدة، و إن هذا يؤثر على قدرة إيران على موازنة النفوذ الإسرائيلي و الأعمال العسكرية في المنطقة.

إعادة التنظيم السياسي الأقليمي: لقد أدى الفراغ في السلطة الذي خلفه سقوط النظام الموالي لإيران في سوريا إلى إعادة تنظيم القوى الإقليمية، مع قيام دول مثل (تركيا) بتوسيع نفوذها في سوريا، على حساب كل من (إيران و روسيا)، ولا يعمل هذا التحول على تقليص العمق الاستراتيجي لإيران فحسب، بل ويزيد من عزلتها كذلك، مع تغير الوضع الأقليمي بسرعة، مما قد يؤدي إلى المزيد من تطويق إيران من قبل الخصوم لها أو الدول المحايدة، التي لا تعطي فرصة لتدخلها.

الهيبة المحلية و الدولية: داخليًا، أدى الانهيار السريع لنظام بشار الأسد في سوريا، إلى انتقادات داخل إيران لسياساتها الخارجية وقراراتها الاستراتيجية، وكذلك خارجيًا، أضر بصورة إيران كلاعب إستراتيجي مقتدر، مما قد يشجع الخصوم ويعقد العلاقات مع الحلفاء المُحتملين أو الدول المحايدة.

خسارة طرق التجارة، النفط، الغاز والكهرباء من إيران وصولاً للبحر المتوسط: لطالما سعت إيران في الوصول لموانيء البحر المتوسط، من خلال ربط سككي يمر عبر العراق، إنطلاقا من موانيء في إيران للتبادل التجاري، وكذلك مد أنبوب للغاز من حقولها العملاقة عبر العراق (2011)، وكذلك تصدير النفط الايراني من خلال ربط أنابيبها بمنظومة أنابيب عراقية ممتدة لميناء بانياس في سوريا.

كذلك سعت إيران الى الاستفادة من تجمعات الفوسفات الكبيرة في سوريا من اجل مصالحها، وكذلك إستخراج اليورانيوم اللازم لمنشأتها منه.

بشكل عام، تمثل الخسائر الاستراتيجية لإيران في سوريا بعد سقوط بشار الأسد ضربة كبيرة لاستراتيجيتها الإقليمية، وإضعاف لقوتها الاقليمية، ومفهوم “محور المقاومة”.

وقد أجبرت هذه التطورات إيران على إعادة النظر في نهجها في الشرق الأوسط، مما قد يؤدي إلى موقف أكثر دفاعية أو أكثر تركيزا على الداخل، أو على العكس من ذلك، دفعها إلى اتخاذ إجراءات أكثر عدوانية لاستعادة ما فقدته.

إذا حدث سيناريو مماثل لما حدث سوريا، في العراق!

ستواجه إيران خسائر إستراتيجية مماثلة لما تم شرحة لموقع سوريا، ولكن سيكون مصحوبًا ببعض التداعيات الفريدة بسبب المشهد السياسي و الطائفي المُختلف في العراق، فيما يلي الأبعاد الإستراتيجية المستقبلية:

خسارة شريك استراتيجي: تمامًا كما حدث في سوريا، ستخسر إيران حليفًا رئيسيًا في العراق إذا تولت حكومة مُعادية للمصالح الإيرانية السلطة.

يعتبر العراق جزء محوري بالنسبة لإيران منذ سقوط النظام في 2003، حيث عمل العراق كدولة عازلة وممر للنفوذ في العالم العربي، و إن فقدان السيطرة على الاتجاه السياسي للعراق سيكون بمثابة إنتكاسة كبيرة لاستراتيجية إيران الإقليمية.

تعطيل خطوط الإمداد: يعمل العراق كطريق بري حاسم آخر لإيران، وخاصة فيما يتعلق بالدعم اللوجستي للميليشيات والحلفاء، ومن المرجح أن يؤدي سقوط حكومة موالية لإيران في العراق إلى إغلاق أو تقييد شديد لخطوط الإمداد هذه، مما يؤثر بشكل كبير على قدرة إيران على دعم حزب الله والجماعات الأخرى بالوكالة.

انخفاض النفوذ على الميليشيات الشيعية: في العراق، أستثمرت إيران بكثافة في دعم الميليشيات الشيعية، التي أصبحت جزءًا من جهاز الأمن في البلاد، و إن أي تغيير في الحكومة التي تنأى بنفسها عن إيران قد يؤدي إلى فقدان هذه الميليشيات للسلطة أو تفكيكها، مما يقلل من نفوذ إيران المباشر في المشهد الأمني ​​والسياسي العراقي.

التداعيات الاقتصادية: لإيران مصالح إقتصادية في العراق، وخاصة في قطاعي الطاقة والتجارة، وقد يؤدي التحول في الحكم في العراق إلى فرض عقوبات إقتصادية أو حظر تجاري أو إعادة توجيه الشراكات الاقتصادية العراقية بعيدًا عن إيران، مما يؤثر على اقتصاد إيران.

قضايا الأمن والحدود: تعد الحدود الغربية لإيران مع العراق حيوية لأسباب أمنية و سياسية أقليمية، وقد يعمل النظام المعادي في العراق على تعزيز أو دعم الجماعات المُعادية لإيران، مما قد يؤدي إلى زيادة التهديدات الأمنية على طول الحدود، بما في ذلك دعم الجماعات المتمردة أو الفصائل (الإنفصالية) التي تسعى إلى الحكم الذاتي أو الاستقلال، مما قد يؤدي إلى زعزعة إستقرار المنطقة بشكل أكبر.

إعادة التنظيم السياسي الاقليمي: كما هو الحال في سوريا، فإن التحول الكبير في العراق من شأنه أن يدفع إلى إعادة التقييم بين القوى الإقليمية، مما قد يؤدي إلى تحالف جديد حيث يمكن لدول مثل المملكة العربية السعودية أو تركيا أو حتى القوى الغربية إكتساب المزيد من النفوذ.

إن هذا من شأنه أن يعزل إيران أكثر، ويحد من قدرتها على فرض قوتها أو التأثير على السياسة في الشرق الأوسط الأوسع.

السياسة الإيرانية الداخلية: من المرجح أن يخلف فقدان النفوذ في العراق الى تداعيات محلية، مماثلة للسيناريو في سوريا، وقد يؤدي ذلك إلى انتقادات داخلية للسياسة الخارجية الإيرانية، مما يؤثر على المكانة السياسية للمتشددين الذين يدافعون عن سياسة توسعية في المنطقة.

التأثير على محور المقاومة: العراق هو جزء آخر من محور المقاومة الإيراني ضد إسرائيل و النفوذ الغربي، وخسارة العراق تعني تراجعاً كبيراً في هذه الاستراتيجية، وإضعاف تطويق إسرائيل والحد من قدرة إيران على تحدي خصومها من خلال الحرب بالوكالة.

التحول الكبير في ميزان القوة الإقليمية: مع خروج العراق من نفوذ إيران المباشر، ستواجه إيران عملية إعادة تقييم كبيرة في قوتها الإقليمية، مما قد يؤدي إلى موقف أكثر عزلة ما لم تتكيف مع الوضع الفعلي، وقد يعني هذا إما التركيز على تعزيز القوة داخل حدودها أو البحث عن تحالفات جديدة في أماكن غير متوقعة.

باختصار، إذا حدث سيناريو مشابه لسقوط بشار الأسد في العراق، فإن إيران سوف تعاني من انتكاسات استراتيجية من حيث النفوذ السياسي، اللوجستيات العسكرية، العلاقات الاقتصادية، و استعراض القوة الإقليمية، وهذا من شأنه أن يستلزم إعادة معايرة كبيرة للسياسة الخارجية الإيرانية، مما قد يؤدي إلى موقف دفاعي أكثر أو البحث عن شراكات استراتيجية جديدة للتعويض عن هذه الخسائر.

للإستماع للمقال

أقرأ المزيد

المقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

عذراً، لايمكن نسخ المحتويات