كيف تمكنت إيران من خداع نظام العقوبات الأمريكية ببراعة؟

على الرغم من بعض أشد العقوبات الغربية صرامة، نجحت إيران في بناء تجارة عالمية مُزدهرة لنفطها، وهي تعتمد على أسطول من الناقلات التي تخفي أنشطتها للإلتفاف على العقوبات، والمُشترين الراغبين في آسيا لإبقاء إقتصادها مستمراً، وتمويل الميليشيات المناهضة للغرب في الشرق الأوسط، بحسب تحقيق بالوثائق لوكالة رويترز.

بلغت قيمة صادرات إيران النفطية 53 مليار دولار في عام 2023 و 54 مليار دولار في العام السابق، وفقا لتقديرات إدارة معلومات الطاقة الأميركية، حيث كان الإنتاج خلال عام 2024 عند أعلى مستوياته منذ عام 2018، إستنادا إلى بيانات منظمة أوبك.

كان الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب قد تخلى عن الاتفاق النووي لعام 2015، في 2018، وأعاد فرض العقوبات على النفط الإيراني، ومن المتوقع أن يستهدف مرة أخرى، دونالد ترامب، و الذي من المُقرر أن يعود في كانون الثاني/يناير 2025، صناعة النفط الإيرانية مرة أخرى بـأقصى قدر من العقوبات، كما يقول مسؤولون إيرانيون، عرب وغربيون لوكالة رويترز.

في حين كانت أساليب إيران محمية بشكل جيد، فإن رسائل البريد الإلكتروني المُسربة كشفت عن تفاصيل دقيقة بشكل غير عادي حول الأعمال اليومية لشركة ساعدت في الحفاظ على صناعة النفط التي تبلغ قيمتها مليارات الدولارات في إيران.

قال إثنان من القراصنة لوكالة رويترز إن مجموعة القراصنة PRANA Network سربت رسائل البريد الإلكتروني لـشركة Sahara Thunder في شباط/فبراير 2024، لأن المجموعة (مجموعة القرصنة) أرادت رفع الغطاء عن التحايل الإيراني على العقوبات الغربية.

في شهر نيسان/أبريل 2024، فرضت الولايات المتحدة عقوبات على شركة Sahara Thunder، ووصفتها بأنها “شركة واجهة” للحكومة الإيرانية التي دعمت الحرس الثوري بشبكة شحن واسعة النطاق.

يقع مقر شركة Sahara Thunder في العاصمة الايرانية طهران، وتصف نفسها بأنها شركة استيراد وتصدير وبناء ومقاولات في قطاعات بما في ذلك النفط والغاز، وفقًا لنسخة أرشيفية من موقعها على الإنترنت.

لم تعد عناوين البريد الإلكتروني لشركة Sahara Thunder نشطة عندما تواصلت وكالة رويترز معها، للحصول على تعليق ولم تتمكن الوكالة من تحديد ما إذا كانت لا تزال تعمل.

يعرض موقع شركة Sahara Thunder الآن صفحة مراهنات رياضية صينية، ولم يتم الرد على رسائل البريد الإلكتروني الموجهة إلى الأشخاص بواسطة وكالة رويترز، والعناوين المرتبطة بالشركة في تسريب البيانات.

أظهرت مُقتطفات من رسائل البريد الإلكتروني بين شركة Sahara Thunder وشركائها، كيف قاموا بنقل شحناتهم من سفينة إلى أخرى، وتزوير الوثائق، وتغير السفن بهويات جديدة، واخفاء حقيقة إشارات التتبع عن مواقعها الاصلية، واتخاذ تدابير شاقة لتجنب أي أثر لإيران.

شاركت وكالة رويترز تقاريرها مع شركة Roke Intelligence، وهي جزء من شركة Roke البريطانية للبحث والتطوير والتي تتخصص في مراقبة التهرب من العقوبات للعملاء في صناعة النقل البحري، وقد تحققت بشكل مُستقل من العديد من النتائج، وحددت السفن باستخدام التصوير عبر الأقمار الإصطناعية، ووجدت مناطق التفريغ المُحتملة للسفن، وحددت بيانات تتبع السفن التي تم التلاعب بها.

كما شاركت وكالة رويترز المسؤولين العراقيين الوثائق التي إستخدمتها ( الناقلة النفطية المسماة ريمي) لتمرير نفطها الإيراني على أنه عراقي، و بالإضافة إلى شهادة المنشأ، كان لديها بوليصة شحن عراقية، وبيان شحن، وتخليص ميناء وأوراق أخرى.

قال مسؤول في الگمارگ العراقية لوكالة رويترز، إن الوثائق مُزورة وبصورة سيئة حتى، في حين قالت شركة تسويق النفط العراقية (سومو)، وهي الهيئة المسؤولة عن صادرات النفط، إنه لا يوجد سجل لتحميل السفينة بالنفط الخام من أي من موانئ العراق.

من أذار/مارس 2022 إلى شباط/فبراير 2024، ساعدت شركة (صحارى ثاندر) الإيرانية، في تسليم 18 شحنة نفطية مُختلفة خاضعة للعقوبات عبر سفنها وسفن شركائها التجاريين – أسطول من 34 سفينة، وفقًا لتحليل وكالة رويترز للرسائل الإلكترونية المُسربة.

نقلت سفن مثل (ريمي و وين ياو) النفط الخام الخاضع للعقوبات بين القارات أو شكلت روابط في سلاسل رحلات تمتد حول العالم، حيث قامت السفن بسحب تسليمات من النفط من سفن أخرى في شبكة شركة (صحارى ثاندر) مثل (ديون)، وهي ناقلة نفط خام كبيرة جدًا قادرة على حمل 2.2 مليون برميل – ضعف ما تحمله السفينة (ريمي).

كان (ريمي) هو اسم ناقلة النفط المُسجلة في قواعد بيانات الشحن، لكنها تحولت عادةً إلى إستخدام الاسم المزيف (ديب أوشن) عند التعامل مع النفط الإيراني، وفقًا لرسائل البريد الإلكتروني لشركة (صحارى ثاندر) المُسربة.

كانت سفن أخرى تنقل النفط الخام ذهابًا وإيابًا عبر الخليج، وفي المجموع، تم نقل شحنات النفط الخام لشركة صحارى ثاندر بين السفن أكثر من 60 مرة أثناء شق طريقها عبر آلاف الأميال إلى المُشترين النهائيين، ومعظمهم في الصين.

جمعت وكالة رويترز أجزاء من أسطول السفن التي تديرها شركة (صحارى ثاندر) وشركاؤها التجاريون، ورسمت خريطة لكمية النفط التي تم نقلها بين كل سفينة من السفن في الشبكة.

كان هناك 92 شركة مالكة أو مُشغلة للسفن الـ 34 المشاركة في أنشطة شركة (صحارى ثاندر) خلال الفترة التي تغطيها رسائل البريد الإلكتروني، وفقًا للتسريب وقاعدة بيانات الشحن العامة إيكويسيس.

اتصلت وكالة رويترز بـ 79 منهم ولم تتمكن من الوصول إلى 13 منهم، و ردت عشر شركات على الوكالة، حيث قال ثمانية منهم إنهم لم يكونوا متورطين، وقال اثنان منهم إنهما كانا يتعاملان فقط مع الإدارة الفنية للسفن وليس لديهما أي علم بالتأجير أو الرحلات.

أظهرت رسائل البريد الإلكتروني أن شركة “صحارى ثاندر”، التي تم حظرها من التعامل مع الأنظمة المصرفية الغربية بسبب العقوبات، لا تزال مُضطرة إلى تسوية المدفوعات الخاصة بالتكاليف العرضية خارج إيران مثل إعادة التزود بالوقود.

قبل أن تتمكن السفينة “ريمي” من تحميل شحنة نفط جديدة من السفينة “ديون”، أبحرت إلى الإمارات العربية المتحدة، حيث قامت شركة “مارين أوشن” الإماراتية بتزويد السفينة بالوقود، وفقًا لرسائل البريد الإلكتروني بين الشركة و”صحارى ثاندر”.

عندما يتعلق الأمر بالتسوية، طلبت الشركة من “صحارى ثاندر” تسليم 4.3 مليون درهم (1.2 مليون دولار) إلى وكيلها – نقدًا.

في أب/أغسطس 2023، طلبت إحدى الشركات التي تساعد في عمليات النقل من سفينة إلى أخرى من “صحارى ثاندر” أيضًا إعطاء 105,000 دولار نقدًا لموظف تخليص تجاري في الإمارات العربية المتحدة.

وقال مسؤول اماراتي لوكالة رويترز، إن الإمارات تلتزم بالقوانين الدولية والعقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة، وتنفذها بصرامة، إلى جانب الاتفاقيات التي تم التوصل إليها مع الشركاء الدوليين.

تجاوزت تجارة شركة (صحارى ثاندر) الخام الإيراني، بما في ذلك النفط من دول أخرى، والتي تضررت من العقوبات مثل روسيا وفنزويلا.

بينما كانت صفقات النفط الخام الرئيسية لشركة (صحارى ثاندر) غالبًا ما تنفذها سفينة (ريمي)، أعتمدت بعض الشحنات على سفن أخرى في شبكتها.

في أب/أغسطس 2022، جاءت إحدى تلك السفن إلى محطة خوسيه في فنزويلا.

كانت السفينة وون هناك بأوامر من شركة (صحارى ثاندر) لتحميل 1.9 مليون برميل من خام ميراي الفنزويلي، وفقًا للرسائل الإلكترونية المُسربة، حيث كان رقم السفينة العالمي 9288098.

لكن قواعد بيانات الشحن لا تحتوي على سجل لناقلة بهذا الاسم في ذلك الوقت، ولا يوجد رقم المنظمة البحرية الدولية هذا.

بحلول كانون أول/ديسمبر 2023، كانت السفينة ريمي تستعد لشحنتها الأخيرة قبل تسرب رسائل البريد الالكترونية لشركة صحارى ثاندر، ولكن هذه المرة، كان الخام روسيًا.

روسيا تخضع لعقوبات مُشددة منذ غزوها الكامل لأوكرانيا في شهر شباط/فبراير 2022، وكانت في حاجة إلى مُشترين لنفطها، حيث كانت سفينة تابعة لشركة (صحارى ثاندر) مستعدة للمساعدة.

في كانون أول/ديسمبر 2024، فرضت الولايات المتحدة عقوبات على خمس سفن أخرى في الأسطول المُرتبطة بشركة (صحارى ثاندر)، ليصل الإجمالي إلى 21 سفينة.

ولا تزال ثلاث عشرة سفينة غير خاضعة للعقوبات، و واحدة من تلك السفن هي (ريمي)، والتي وفقًا لقواعد بيانات الشحن، تُعرف الآن باسم (ويلما 2 ).

في شباط/فبراير 2024، سرب قراصنة الكترونيين، أكثر من 10,000 رسالة بريد إلكتروني ومرفقاتها من شركة صحارى ثاندر، حيث قامت وكالة رويترز بالاطلاع على رسائل البريد الإلكتروني من خلال برنامج بن بوينت Pinpoint من شركة غوغل Google، وهي أداة بحث للصحفيين والأكاديميين تحلل مجموعات كبيرة من المُستندات وتسلط الضوء على الكلمات الرئيسية والأسماء والعبارات المتكررة بشكل أكبر.

ثم قامت وكالة رويترز بفرز رسائل البريد الإلكتروني إلى مجموعات، بما في ذلك لكل سفينة تم تحديدها ولكل نقل من سفينة إلى أخرى، وكذلك حسب الشركات الرئيسية والعقود والذكر لعبارات مُحددة مثل تلك المتعلقة بالصين وروسيا وفنزويلا ودول مختلفة في الشرق الأوسط.

حددت وكالة رويترز رسائل البريد الإلكتروني التي تحتوي على إحداثيات نظام تحديد المواقع العالمي (GPS)، بما في ذلك تحديثات الموقع اليومية لبعض السفن، مما يسمح بتحديد الموقع الدقيق لعمليات النقل من سفينة إلى أخرى ورسم خرائط لحركات سفن شركة (صحارى ثاندر) مثل ريمي، حتى عندما أوقفت السفن أو خَدعت نظام تحديد الهوية التلقائي (AIS).

ثم تم مطابقة الاتصالات والعقود والوثائق مع الصفقات ذات الصلة لبناء جدول زمني لأنشطة شركة صحارى ثاندر.

ثم شاركت وكالة رويترز نتائجها مع شركة روك إنتليجنس، التي تحققت بشكل مُستقل من العديد من عمليات النقل من سفينة إلى أخرى وتحركات السفن، وحددت صور الأقمار الصناعية للمعاملات ونقاط التفريغ المحتملة للسفن وحالات الخداع.

للإستماع للمقال