تحليلات إقتصادية ومالية

هل تؤثر مشاكل الصين الإقتصادية على الشرق الأوسط ؟

في بداية عام ٢٠٢٣، كان التفاؤل مرتفعا بأن الصين ستشهد إنتعاشا سريعا في الإنفاق الإستهلاكي وتسارعا في نمو الناتج المحلي الإجماليGDP، ولكن منذ ذلك الحين، أصبح ثاني أكبر إقتصاد في العالم في حالة ركود.

حقيقة أن الصين لم تكن قادرة على التخلص من الركود الإقتصادي الذي شهدته بعد الوباء ( فيروس كورونا ) لا تعني بالضرورة أن نموذج النمو الذي أتبعته البلاد على مدى العقود العديدة الماضية قد وصل إلى حدوده القصوى.

كما أنه لا يشير إلى أن القرن الصيني قد ينتهي قبل أن يبدأ، أو أن القنبلة الموقوتة على وشك الإنفجار، على حد تعبير الرئيس الأمريكي جو بايدن.

مع ذلك، فإن الإقتصاد الصيني المتعثر يمثل مشكلة ليس للصين فحسب، بل للعالم أجمع.

يشكل مسار إقتصاد الصين مصدر قلق كبير للقادة والمستثمرين الدوليين، الذين يعتمدون عليه لدفع التوسع العالمي ويكون بمثابة الحصن الأساسي ضد الأزمات.

إن التباطؤ المطول أو الانهيار المالي المفاجئ، في حالة حدوثه، سوف يؤثر على الأسواق العالمية ــ بما في ذلك بلدان الشرق الأوسط، التي أصبحت إقتصاداتها متشابكة على نحو متزايد مع إقتصاد الصين.

يواجه إقتصاد الصين البالغ حجمه ١٨ تريليون دولار صعوبات، وتباطأ بشكل ملحوظ في الربيع، مما بدد الآمال في توسع قوي بعد رفع القيود الصارمة التي تم فرضها بسبب فيروس كورونا.

أنكمش نشاط التصنيع المحلي للشهر الخامس على التوالي في أب / أغسطس ٢٠٢٤، كما ضعف النمو في قطاع الخدمات في البلاد، وهو مصدر رئيسي لتشغيل العمالة.

أصبح المستهلكون الصينيون ينفقون أقل، الأمر الذي يفرض ضغوطاً على أسعار السلع والخدمات ويثير قلقاً عميقاً بشأن حالة الإقتصاد.

وسط الضائقة المتزايدة في سوق الإسكان في الصين – عند تقاطع التمويل والبناء والثروة الأسرية – تخلفت أكبر شركة تطوير عقاري في البلاد، كونتري غاردن، عن سداد مدفوعات سنداتها، وقدرت أنها خسرت ما يصل إلى ٧.٦ مليار دولار في النصف الأول من العام الحالي.

أثارت أزمة العقارات المتصاعدة المخاوف بشأن مخاطر العدوى، لدى Country Garden فواتير غير مدفوعة بقيمة ٢٠٠ مليار دولار، حيث مجموعة China Evergrande Group المتعثرة مؤخرًا تقدمت بطلب للحماية من الإفلاس في الولايات المتحدة.

إلى جانب مواجهة الإقتصاد الضعيف وعمليات بيع العقارات، يتعين على حكومة الرئيس الصيني شي جين بينغ، أن تتعامل مع قطاع المصرفي الموازي الضخم المضطرب للغاية في البلاد، فضلاً عن الديون الضخمة المستحقة على الحكومات المحلية.

أضف إلى هذه المشاكل ضعف التجارة العالمية، الذي أدى إلى تفاقم تحدي النمو في الصين.

كان رفع أسعار الفائدة من جانب البنوك المركزية الغربية بهدف السيطرة على التضخم، إلى جانب ضعف الطلب الإستهلاكي في الأسواق المتقدمة، سبباً في هبوط الصادرات الصينية، مع إنخفاض قيمة العملة إلى أدنى مستوياته منذ ١٦ عاماً في مقابل الدولار.

من ناحية أخرى، أثبت التعافي الذي قاده المُستهلك الصيني في الصين أنه كان ضحلاً وقصير الأجل.

فقد أدى تخلف سوق العمل وإنخفاض نمو الدخل المتاح إلى تآكل ثقة الجمهور في حالة الإقتصاد، الأمر الذي أدى إلى إرتفاع معدلات الإدخار الإحترازية، وتباطؤ مبيعات التجزئة، والإنكماش الحاد في الواردات.

تراجعت الإستثمارات الأجنبية الجديدة في الصين إلى أدنى مستوى لها منذ ٢٥ عامًا في الربع الثاني من عام ٢٠٢٣، حيث قلل المستثمرون من تواجد إستثماراتهم وسط حالة عدم اليقين الإقتصادي في البلاد، وتزايد التوترات السياسية الأقليمية مع الولايات المتحدة.

إن الجمع بين أسلوب الحكومة الصينية الخاص في الحد من المخاطر، والحملات الصارمة على شركات التقنية الكبرى، والتشديد التنظيمي المفاجئ، أدى إلى إثارة رعب المستثمرين الأجانب.

كذلك الأمر بالنسبة لإرتفاع التكاليف والمخاوف المتعلقة بسلسلة التوريد.

في الواقع، أستمر الإستثمار الأجنبي في إنخفاض مستمر طوال فصل الصيف.

وما يساهم بشكل أكبر في إنعدام الثقة في النمو المستقبلي للصين هو إنخفاض شفافية تقارير الحكومة الصينية عن البيانات الإقتصادية الأساسية.

في أوائل أب / أغسطس ٢٠٢٣، قالت الحكومة الصينية، إنها ستتوقف عن نشر أرقام البطالة لدى الشباب، بعد أسابيع من وصولها إلى مستوى قياسي بلغ ٢١.٣ ٪ في حزيران / يونيو ٢٠٢٣ – وهو جزء من نمط إخفاء البيانات الإقتصادية غير السارة، وتوقف المكتب الوطني للإحصاء (NBS) عن نشر مؤشر ثقة المُستهلك.

بدأ مزود بيانات صيني رئيسي في تقييد وصول المستخدمين في الخارج، وومؤخراً، دعا مدير إدارة الطاقة الوطنية تشانغ جيان هوا المسؤولين إلى تنمية ثقافة السرية التي تحافظ على الأسرار وتتسم بالحذر.

كان قمع و/أو تزوير البيانات الإقتصادية سبباً في تقويض الثقة العالمية وتفاقم مخاوف السوق ــ وهي النقطة التي أكدها مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان مؤخراً.

في فبراير/شباط الماضي، ذكر صندوق النقد الدولي، أن إستدامة التعافي سوف تتطلب دعماً نقدياً ومالياً فضلاً عن تسريع الإصلاحات الهيكلية.

أتخذت السلطات الصينية مؤخرًا خطوات لدعم الإقتصاد المتدهور، ولكن حتى الآن، أتخذت جهودهم إلى حد كبير هيئة سلسلة من التعهدات والمبادئ التوجيهية السياسية التي تستهدف قطاعات محددة أو تهدف إلى طمأنة المستثمرين، وبعضها يفتقر إلى تفاصيل ملموسة.

خفض بنك الشعب الصيني أسعار الفائدة في حزيران / يونيو ٢٠٢٣، وهي أداة تقليدية لمساعدة النمو، ولكن يبدو أن صناع السياسات مترددون في تقديم حزمة تحفيز قوية لتعزيز الإستهلاك.

على خلفية التعافي المتعثر والدعوات الموجهة إلى صناع السياسات في الصين لاتخاذ إجراءات أكثر جرأة، أنزلق الإقتصاد الصيني إلى الإنكماش، مع إنخفاض أسعار المُستهلك في تموز / يوليو٢٠٢٣، للمرة الأولى منذ عامين.

وقد سعى المسؤولون الصينيون إلى إضفاء طابع إيجابي على الضائقة الإقتصادية التي تعيشها البلاد، في حين أنكروا أن الإنكماش يشكل أي مخاطر.

وكما كان متوقعا، قدمت الصحافة الرسمية الصينية تقييمات واثقة للجهود التي تبذلها الحكومة لدعم الأسواق، مؤكدة على أنه على الرغم من تباطؤ النمو العالمي، تمكنت الصين من التغلب على الرياح الإقتصادية المعاكسة بمزيج من السياسات الفعّالة.

مع ذلك، يبدو أن الشركات والمستثمرين الأجانب ينظرون إلى الأمور بشكل مختلف.

في إنعكاس لعدم اليقين بشأن المسار الإقتصادي للصين على المدى القريب، خفضت سلسلة من مصارف غربية توقعاتها لنمو الناتج المحلي الإجمالي لعام ٢٠٢٣ لصين، لقد أصبحت النظرة المستقبلية للصين قاتمة إلى حد كبير.

يشكل التباطؤ الإقتصادي في الصين تحديا للنمو العالمي، وتوقع صندوق النقد الدولي في السابق أن تمثل الصين ٣٥ ٪ من النمو العالمي هذا العام، لكن هذا يبدو أقل إحتمالا، ومع ذلك، من المهم أن نلاحظ أن تأثير إقتصاد الصين المتراجع سيختلف حسب البلد والقطاع.

ستعتمد التأثيرات على الإقتصادات في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا على مجموعة متنوعة من العوامل، بما في ذلك شدة ومدة الإنكماش الإقتصادي في الصين، والعلاقات التجارية والإستثمارية المحددة بين الصين ودول الشرق الأوسط الفردية، والمرونة الشاملة للإقتصاد الإقليمي.

الإقتصاد أمام الصدمات الخارجية ومع ذلك، فمن الممكن تقديم بعض الملاحظات العامة بشأن كيفية تأثير التباطؤ الإقتصادي في الصين، في هذه المرحلة الحالية، على العلاقات الإقتصادية بين الصين والشرق الأوسط في مجالات التجارة والسياحة والمشاركة مع مبادرة الحزام والطريق.

ربما كان إقتصاد الصين المتعثر قد أضعف حماسة شركائها في الشرق الأوسط وأضعف فرصهم المباشرة في جني مكاسب إقتصادية سريعة ودائمة، لكن على مدى العقدين الماضيين، أصبح إرتباط الصين الإقتصادي بالمنطقة متجذرًا بعمق.

تعد الصين الشريك التجاري الرئيسي لمعظم دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ومن بين أكبر ثلاثة مصادر للواردات لجميع هذه البلدان.

إن الطلب الصيني على النفط والغاز يشكل أهمية مركزية في العلاقات التجارية بين الصين والشرق الأوسط.

في الواقع، كانت الصين دائمًا واحدة من الوجهات الرائدة للنفط الخام في الشرق الأوسط، وتصدر المملكة العربية السعودية من نفطها الخام إلى الصين أكثر من أي دولة أخرى.

تعد الصين سوقًا رئيسيًا لصادرات النفط الخام العراقي، الإيراني، العماني ، الإماراتي والكويتي، وكذلك لصادرات الغاز الطبيعي المسال القطرية.

شهد الطلب الصيني على النفط إنتعاشًا قويًا في النصف الأول من عام ٢٠٢٣، حيث أستوردت المصافي كميات شهرية شبه قياسية.

ومع ذلك، في حين أشارت الأرقام الرئيسية لواردات النفط الخام إلى الطلب القوي على النفط، فقد تم تخزين جزء كبير من هذا بدلا من تصفيته إلى البنزين والديزل.

الواقع أن شركات التكرير الصينية الحكومية الرائدة، بقيادة سينوبك وبتروتشاينا، قامت ببناء منطقة عازلة للإمدادات بإستخدام سعة تخزينية هائلة.

في الآونة الأخيرة، وفي مواجهة إرتفاع الأسعار من كبار الموردين، المملكة العربية السعودية وروسيا، كانت الصين تتطلع إلى موردين أصغر مثل البرازيل وإيران لتأمين شحنات أرخص، مع خفض مخزوناتها المرتفعة.

ومن الممكن أن تؤدي البيانات الإقتصادية الأضعف من المتوقع في الأشهر المقبلة إلى خفض نمو الطلب الصيني على النفط والغاز.

يتوقع محللو الصناعة، أن تظل واردات الصين من النفط الخام السعودي على الأرجح في مسار إنخفاضي طفيف حتى الربع الثالث من عام ٢٠٢٣.

تتوقع وكالة الطاقة الدولية (IEA)، أن يتباطأ نمو الطلب في الصين بشكل ملحوظ إعتبارًا من عام ٢٠٢٤ فصاعدًا.

بالنسبة للمملكة العربية السعودية – التي تعتبر الصين وجهة تصدير النفط الخام الأولى – لا يمكن أن تكون هذه التوقعات مرحب بها.

حتى الآن، قامت المملكة العربية السعودية بمعظم العمل لدعم الأسعار بينما تمتعت روسيا بفوائد السوق النفطية.

تحملت المملكة عبء إرتفاع أسعار النفط الذي أستمر سبعة أسابيع في وقت سابق من هذا الصيف، وحصلت على إيرادات أقل على الرغم من زيادة الطلب.

إن إنخفاض الأسعار إلى ما دون ٨٠ دولارا للبرميل، نتيجة لإنخفاض حاد في الطلب الصيني و/أو ظروف معاكسة أخرى، يمكن أن يعيق قدرة الحكومة السعودية على تحقيق التوازن في الميزانية وتمويل مشاريع التنويع الإقتصادي.

لكن على الرغم من الإنخفاض في شهر تموز / يوليو ٢٠٢٣، والنمو الضعيف المتوقع لواردات الصين من النفط، فإن البلاد لا تزال تستهلك ما يقرب من ١٦ مليون برميل يوميا، وسوف تمثل نحو ٦٠ ٪ من إجمالي نمو الطلب هذا العام.

ومع دخول عقد التوريد الجديد مع شركة رونغشينغ للبتروكيماويات Rongsheng Petrochemical حيز التنفيذ، ستستورد الصين كميات أكبر من النفط الخام من المملكة العربية السعودية بنسبة ٤٠ ٪ في أيلول / سبتمبر ٢٠٢٣، مقارنة بشهر أب / أغسطس ٢٠٢٣.

الأهم من ذلك، أن شركة الطاقة العملاقة أرامكو السعودية تظل ملتزمة بتوسيع نطاق وجودها في الصين.

بالنسبة للصين، فهي ليست أكبر سوق للخام السعودي فحسب، ولكنها ذات أهمية متزايدة لطموحات أرامكو لتحويل جزء كبير من إنتاجها النفطي إلى بتروكيماويات، فضلاً عن تعزيز مكانتها في السوق في سياق المنافسة مع روسيا.

ربما يمكن العثور على آفاق أكثر طمأنينة في واردات الشرق الأوسط من الصين.

تعاني العديد من دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من عجز تجاري مع الصين، وحتى في حالة مصر، التي زادت صادراتها إلى الصين في الآونة الأخيرة، فإن حجمها يتضاءل أمام السلع المتدفقة في الإتجاه المعاكس ( من الصين ).

وبدرجات متفاوتة، ينطبق الشيء نفسه على أماكن أخرى، سواء في المغرب العربي وبلاد الشام (على سبيل المثال، المغرب، الأردن، الجزائر، وإسرائيل)، أو تركيا، أو الخليج (على سبيل المثال، إيران والإمارات العربية المتحدة).

في الحالات التي مكنت فيها صادرات النفط والغاز إلى الصين منتجي الشرق الأوسط من التمتع بميزان تجاري إيجابي (مثل العراق والكويت وعمان وقطر والمملكة العربية السعودية)، تمثل البضائع الصينية جزءًا كبيرًا من وارداتهم وتشمل مجموعة واسعة من وارداتهم، بما في ذلك الآلات والإلكترونيات والمنسوجات والبلاستيك وغيرها.

الواقع أن حصة متزايدة من صادرات الصين تتجه إلى الأسواق الناشئة، بما في ذلك الشرق الأوسط، وقد يساعد إنخفاض الأسعار في الصين في تخفيف الضغوط التضخمية، حيث تصبح صادراتها أرخص.

تحقق الصين نجاحًا في تصدير السيارات الكهربائية والهواتف الذكية الرخيصة.

مع ضعف الطلب الإستهلاكي في الداخل، من المرجح أن يشعر صانعو السيارات الكهربائية الصينيون بأهمية متزايدة للتوسع في الخارج.

من الممكن أن يؤدي إنخفاض تكاليف السيارات الكهربائية في الصين إلى جعل النماذج الصينية ذات أسعار أكثر تنافسية وخيارات ميسورة التكلفة في الشرق الأوسط – وهي سوق ناشئة تتمتع بوفرة من إمكانات النمو.

بعد توقف دام ثلاث سنوات عن السفر إلى الخارج، بسبب فيروس كورونا، كان هنالك إنتعاش واعد في السياحة الصينية الخارجية، على الرغم من أن أرقام النصف الأول من عام ٢٠٢٣ أقل بكثير من التوقعات بعد إعادة فتح الحدود.

إلا أن الإستئناف الأخير للجولات الجماعية وعروض السفر يمكن أن يكون مقدمة للمسافرين الصينيين ليصبحوا مرة أخرى قوة مهمة تدفع السياحة العالمية.

تكتسب منطقة الشرق الأوسط، وخاصة دول الخليج، شعبية باعتبارها وجهات بعيدة المدى.

عندما أنفتحت المملكة العربية السعودية أمام السياحة في عام ٢٠١٩، كان الحد الأقصى لعدد التأشيرات السياحية الصادرة للسياح الصينيين، وفي ذلك العام، كانت الصين خامس أكبر سوق مصدر لدبي.

تكشف البيانات الحديثة الصادرة عن شركة ForwardKeys لتحليلات السفر، أن عدد الوافدين الصينيين إلى الإمارات العربية المتحدة في عام ٢٠٢٣، يفوق الأرقام المسجلة في عام ٢٠١٩ بنسبة ٦ ٪.

على الرغم من قلة صرفيات الأسر في الصين، يمكن أن تشهد دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا موجة جديدة من الزوار الصينيين، لا سيما من ذوي الثروات العالية الأفراد والمسافرين من رجال الأعمال.

وقد يساعد توسيع نطاق التأشيرات الإلكترونية من قبل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة في تعزيز هذه الآفاق، وكذلك الأمر بالنسبة إلى إضافة الحكومة الصينية الأخيرة لإسرائيل والمغرب إلى قائمة الدول ذات حالة الوجهة المعتمدة (ADS) للسفر الجماعي إلى الخارج، فضلاً عن إستعادة عمليات الطيران قبل الوباء من قبل شركات الطيران الإقليمية.

وحتى قبل التباطؤ الإقتصادي في الصين، أنخفض عدد وقيمة المشاريع الأجنبية الجديدة المتعاقد عليها في دول الداخلة ضمن مبادرة الحزام والطريق BRI.

بعد عقد من الإقراض والإستثمارات الضخمة، تعرضت مبادرة الحزام والطريق لضغوط، حيث عانت العديد من الدول الشريكة لها من ضائقة مالية.

أستجاب الدائنون الصينيون من خلال خفض تدفقات الإقراض الخارجية الجديدة إلى البلدان النامية ومن خلال التفاوض على العشرات من عمليات إعادة هيكلة الديون السيادية، والذي أستلزم رد فعل الحكومة الصينية بإعادة التوجه بعيداً عن مشاريع البنية التحتية الضخمة.

في عام ٢٠٢١، كانت دول الشرق الأوسط هي الإستثناء من هذه الإتجاهات، مع زيادة حادة في الإستثمار في مبادرة الحزام والطريق ونشاط البناء هناك.

لم يتم إيقاف سوى عدد قليل جدًا من مشاريع مبادرة الحزام والطريق في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

شهدت مشاركة الصين في مبادرة الحزام والطريق مع العراق على وجه الخصوص نمواً، وخاصة في البنية التحتية للطاقة والنقل.

نتيجة للإنكماش الإقتصادي المحلي في الصين، سعت الحكومة الصينية إلى ممارسة قدر أكبر من السيطرة المركزية على مبادرة الحزام والطريق، والتركيز على إستكمال المشاريع الجارية بالفعل، والإنتقال من مشاريع البنية التحتية الصعبة إلى مشاريع البنية التحتية الرقمية ( مراكز بيانات ).

لم تستغل دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بشكل كامل الفرص وأوجه التآزر التي يوفرها طريق الحرير الرقمي في الصين، وهو مكون تقني من المعلومات والتقنية في مبادرة الحزام والطريق، والذي لا يزال في مراحله الأولى.

بالنظر إلى المستقبل، فإن التوترات السياسية الأقليمية والمنافسة التقنية بين الصين والولايات المتحدة قد تكون عائقاً أمام التقدم على هذه الجبهة أكثر من أي قيود قد يفرضها الركود الإقتصادي في الصين.

لكن المشاكل الإقتصادية المحلية التي تواجهها الصين لم تخفف من طموحاتها.

خلال العام الماضي، كثفت الحكومة الصينية جهودها على جبهات متعددة لتعزيز العلاقات مع بلدان الجنوب العالمي وحشد دعمها، بما في ذلك دول الشرق الأوسط.

تؤكد الزيارة التي قام بها الرئيس الصيني إلى المملكة العربية السعودية في كانون أول / ديسمبر ٢٠٢٢، وكذلك مؤتمر الإستثمار الذي عقد في الرياض في حزيران / يونيو ٢٠٢٣، والذي توافد إليه رجال الأعمال والمستثمرون الصينيون، على أهمية تعزيز العلاقات بالنسبة للصين وشركائها الإقليميين حتى مع إنتشار المخاوف بشأن النمو الإقتصادي المستقبلي للصين.

الخاتمة:-

يواجه الإقتصاد الصيني من صعوبات، وقد تمتد إلى العالم أجمع، حيث كان الأداء الإقتصادي للبلاد في الربع الثاني من العام الحالي أقل من توقعات المستثمرين وسط تباطؤ في الإنفاق الإستهلاكي، وتراجع أسعار العقارات، وضعف الطلب العالمي.

يبدو أن التخفيضات المتواضعة الأخيرة في أسعار الفائدة لم تكن كافية لتغيير النظرة المتشائمة بشأن الإقتصاد الصيني، وقد تستمر الأخطاء السياسية، ونتيجة لذلك قد يستمر إقتصاد البلاد في التعثر.

حتى الآن، كان للضائقة الإقتصادية التي تعانيها الصين تأثير مختلط على الشرق الأوسط.

إن الصعوبات الحالية التي تعيشها الصين قد لا تنذر بمشكلة أكثر خطورة في الأمد البعيد، وبالتالي فإنها لا تؤدي إلا إلى دفع الأفق الزمني نحو المزيد من المشاركة الإقتصادية الشاملة والمربحة بين الصين والشرق الأوسط في الخارج.

مع ذلك، فإن الإشارات التحذيرية الواضحة بشأن ضعف الإقتصاد الصيني تستحق الإهتمام الوثيق من جانب صناع السياسات في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وسوف تستقبلها بلا شك نظراً للمخاطر الكبيرة التي ينطوي عليها الأمر.

معهد الشرق الأوسط
The Middle East Institute
John Calabrese
mei.edu
١١ أيلول / سبتمبر ٢٠٢٣

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com
error: الشكر الجزيل لكم لزيارة موقعنا, أستمتعوا بقراءة الأخبار
إغلاق

أنت تستخدم مانع ألاعلانات

شكرا جزيلا لزيارة موقعنا - أنت تستخدم مانع ألاعلانات ٠ الرجاء قم بتعطيل مانع ألاعلانات حتى تتمكن من تصفح الموقع