إقتصادية

لماذا لاتتدخل الصين بشكل مباشر ضد الحوثيين، لحماية طرق التجارة الدولية ؟

اقرأ في هذا المقال
  • مقال في صحيفة South China Morning Post حول عدم قدرة الصين للتدخل في حماية طرق التجارة الدولية، بسبب هجمات الحوثيين

منذ حوالي شهرين، يهاجم الحوثيون المدعومون من إيران، والمتمركزون في اليمن، السفن التجارية في البحر الأحمر بطائرات بدون طيار وصواريخ، حيث تقول الجماعة ( التي تم تصنيفها إرهابية من قبل وزارة الخارجية الأمريكية ) بأن هذا الإجراء يأتي ردًا على الحرب بين إسرائيل وغزة، وأنها تستهدف فقط السفن المرتبطة بإسرائيل أو تلك المتجهة إلى إسرائيل.

على الرغم من ذلك، السفن التي ليس لها مثل هذه الروابط ( ليس لها علاقة بإسرائيل ) تعرضت لهجمات مماثلة، مما دفع شركات النقل الكبرى، بما في ذلك شركة كوسكو Cosco الصينية العملاقة المملوكة للحكومة الصينية، إلى تغيير مسارها المعتاد، وبتكلفة كبيرة.

ورداً على ذلك، تشكل تحالف بقيادة الولايات المتحدة يضم أكثر من 20 دولة، بضمنها بريطانيا، استراليا، الولايات المتحدة، والبحرين، لحماية حركة المرور التجارية في البحر الأحمر، بما في ذلك شن ضربات جوية ضد أهداف لها علاقة بالحوثيين، ومناطق إطلاق الصواريخ والطائرات بدون طيار.

لكن، بالنسبة للصين، كان النهج الذي أتبعته فقط الدعوة إلى إنهاء الهجمات على السفن والتعبير عن القلق بشأن الوضع المتصاعد.

يقول مراقبون للوضع، إن رد الحكومة الصينية الحذر، يتوافق مع نهجها العام تجاه أزمات الشرق الأوسط، ومن غير المرجح أن يتغير ما لم تؤثر الهجمات على مصالحها التجارية.

لكن، وبنفس الوقت، هذا الحذر يعكس كذلك الإفتقار إلى القيادة والقدرة لبلد يسعى إلى ترسيخ نفسه كقوة عالمية.

قال أوري سيلا Ori Sela، الأستاذ المشارك في جامعة تل أبيب، لصحيفة ساوث تشاينا مورننغ بوست:-

من المؤكد إن الصين لا تظهر أي رغبة في العمل كقوة كبرى مسؤولة “.

” بينما تحافظ الصين على خطاب واضح بشأن الحفاظ على السلام والإستقرار، يبدو من الناحية العملية، حتى الآن، كما لو أن الصين لا تملك سوى قدرة ضئيلة على تحقيق شيء، سواء من حيث القوة العسكرية أو من حيث الدبلوماسية “.

أحد العوامل المساهمة، وفقا لإستاذ السياسة الدولية المقيم في مركز هوبكنز-نانجينغ للدراسات الصينية والأمريكية، ديفيد أرس David Arase، هو أن السفن الصينية لم تتعرض لهجوم من قبل الحوثيين، مما يعني أن الصين ليس لديها إهتمام كبير بتحمل مسؤولية أكبر في اليمن، أو التدخل في النزاع.

وأضاف، حتى عندما تؤدي هذه الأحداث إلى تغيير مسار الواردات والصادرات الصينية التي تنقلها سفن غير صينية، والذي يؤدي إلى إرتفاع تكاليف البضائع، فإن الحكومة الصينية تفضل إستيعاب هذه التكاليف بدلاً من

التوافق مع الولايات المتحدة… أو تحمل التزامات أمنية مكلفة في تلك المنطقة المضطربة “.

ونتيجة لذلك، لم تكن الصين ملتزمة بضمان الإستقرار في البحر الأحمر أو الدفاع عن حقوق الملاحة الدولية ــ ولم تكن حريصة على الإضطلاع بهذا الإلتزام.

وهذا، بحسب حديث الإستاذ، ديفيد أرس David Arase، لصحيفة ساوث تشاينا مورننغ بوست، ترك العبء على الولايات المتحدة لحماية حرية الملاحة، والصين هي المستفيدة من هذا بدون أي تدخل من قبلها.

وعلى الرغم من الضربات المستمرة على أهداف الحوثيين، إلا أن الهجمات على السفن لا تزال مستمرة، وهو الوضع الذي تستخدمه الصين لتعكس فشل النظام العالمي الذي تقوده الولايات المتحدة وإظهار جهودها في هذا الوضع، بحسب حديث أوري سيلا Ori Sela، الأستاذ المشارك في جامعة تل أبيب، لصحيفة ساوث تشاينا مورننغ بوست:-

ترى الصين فرصة هنا لاستخدام سردية الفشل هذا، لإثبات لاحقاً أن النظام العالمي الذي تقوده الصين، يتفوق على النظام الذي تقوده الولايات المتحدة “.

ومع ذلك، فإن الصراع في البحر الأحمر أظهر بدلاً من ذلك تقلب وهشاشة النجاحات التي تحققها الصين في المنطقة، ولا سيما الإتفاق الذي توسطت فيه إيران والمملكة العربية السعودية، بحسب الأستاذ أوري سيلا Ori Sela.

ذكرت صحيفة فايننشال تايمز الأسبوع الماضي، أن الولايات المتحدة طلبت من الصين إستخدام نفوذها لدى إيران للسيطرة على تصرفات الحوثيين، وكذلك ذكرت وكالة رويترز عن لقاء مستشار الأمن القومي الأمريكي، جيك سوليفان، مع وزير الخارجية الصيني، لنفس الموضوع، ولكن لحد الأن ليس هنالك مؤشرات تذكر على قيام الحكومة الصينية بذلك.

قال الأستاذ أوري سيلا Ori Sela لصحيفة ساوث تشاينا مورننغ بوست:-

إن الدول لديها توقعات بسيطة بشأن صعود الصين كقائد للنظام العالمي، لكنها تتوقع المزيد من المشاركة الدبلوماسية من الصين، خاصة مع إيران، حيث الهجمات المستمرة التي يشنها الحوثيون المدعومين من قبلها تقوض الرواية الصينية بأكملها حول تأثير الصفقة التي قادتها بين ( إيران والسعودية ).

” لقد كشف الوضع في البحر الأحمر عن حجم الصين الحقيقي: فهي ذات أهمية إقتصادية كبيرة في المنطقة ولكنها بعيدة جدًا عن أن تكون في الواقع قوة عالمية، البقاء بعيدا عن الأضواء، في هذه المرحلة، قد يساعد الصين على الإفلات من أي عواقب “.

أشار جيريمي تشان Jeremy Chan، أحد كبار المحللين في مجموعة أوراسيا Eurasia Group، لصحيفة تشاينا مورننغ بوست، إلى أن رد فعل الصين الصامت نابع من وجهة نظرها بأن هجمات البحر الأحمر نتيجة مباشرة للفشل في تحقيق وقف دائم لإطلاق النار في غزة، وهو الفشل الذي ألقته على الولايات المتحدة.

وفي ظل هذه الظروف، لن تدعم الحكومة الصينية ما تقوم به الولايات المتحدة، سواء كان ذلك بإدانة الحوثيين أو إجراء دوريات بحرية مشتركة في البحر الأحمر – وهي خطوة من شأنها أن تنجح على المدى القصير ولكن ليس على المدى البعيد.

” تقييمي هو أن هذه خطوة ذكية من منظور ضيق للمصالح الصينية، ولكنها خطوة سخيفة لدولة لديها مخططات لأن تصبح رائدة عالمية “.

وفقاً لأندرو سكوبل Andrew Scobell، زميل متميز لشؤون الصين في المعهد الأمريكي للسلام US Institute of Peace ، فإن الصين لعبت في الغالب دور ” قوة عظمى ذات تأثير طفيف ” في الشرق الأوسط، حيث، على الرغم من كونها ذات وزن إقتصادي ثقيل، إلا أنها ظلت قوة دبلوماسية ذات تأثير طفيف، وقوة عسكرية ضعيفة.

وقال:-

بإستثناءات قليلة ملحوظة، قامت الحكومة الصينية بإيماءات شكلية متواضعة إلى حد كبير على الصعيد الدبلوماسي، وإن كانت مع دعوات مبدئية للحوار والسلام، بينما أستخدمت الصين عسكرياً بصمة خفيفة في الشرق الأوسط “.

لقد تَعلمت الصين كيفية التحدث بلغة القوة العظمى، ولكنها لا تزال تتعلم كيفية السير على طريق القوة العظمى.

لكن وانغ ييوي Wang Yiwei، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة رنمين Renmin، قال لصحيفة ساوث تشاينا مورننغ بوست:-

إن موقف الصين لا يتعلق فقط بالإنحياز إلى جانب ما، بل يتعين عليها دعم حقوق ومصالح جميع الأطراف، وخاصة الدول النامية، حيث أن الأمر لا يتعلق فقط بإدانة ودعم طرف واحد، ويجب يكون موقف الصين متسق ومستمر، وقد ترغب الدول النامية في أن تتبنى الصين موقفاً عادلاً و تتحدث باسم العالم العربي.

قال ألفين كامبا Alvin Camba، الأستاذ المساعد في كلية جوزيف كوربل Josef Korbel School of International Studies للدراسات الدولية بجامعة دنفر، لصحيفة ساوث تشاينا مورننغ بوست:-

” إن رد الصين أظهر أنها تتأرجح بين كونها رائدة عالمية… وبين المضي قدماً بمصالحها السياسية الأقليمية و أن زعيمًا عالميًا سيضمن سلامة جميع السفن التجارية بغض النظر عن موقفه السياسي، لكن التقارير تفيد بأن الحوثيين هم الذين ضمنوا سلامة السفن الصينية والروسية فقط

وأضاف:-

تحاول الصين تحقيق الأمر في كلا الاتجاهين، ولا تفعل الكثير في هذه العملية ولكنها تحقق النتائج المرجوة في كلا الاتجاهين، وأن القيادة الصينية قد تتضرر لأنها سوف تصور نفسها على أنها زعيم أقل تحملا للمسؤولية “.

وكذلك ” إنها تبعث برسالة مفادها، أنه إذا فعلتم شيئًا لإيذاء الغرب ولم تفعلوا شيئًا ضدنا، فلن نفعل أي شيء يؤذيكم “.

وأشار الإستاذ، ديفيد أرس David Arase، لصحيفة ساوث تشاينا مورننغ بوست:-

أن الحكومة الصينية ستتطلع إلى الحصول على بعض نقاط القيادة، مثل الدعوة إلى مناقشة إقليمية أوسع، لكن يبدو أن الصين تتقدم بأجنداتها الدبلوماسية، دون أي تكلفة مادية“.

قال ويليام فيغيروا William Figueroa، الأستاذ المساعد في جامعة غرونينغن Groningen، لصحيفة ساوث تشاينا مورننغ بوست:-

إن الحكومة الصينية لا تريد أن يُنظر إليها على أنها تدعم مجموعة تهدد إستقرار نظام الشحن الدولي، ولا تريد أن تتعرقل مشاريعها الإقليمية بسبب صراع إقليمي أوسع

وفي الوقت نفسه، الصين على دراية تامة بالعلاقة بين الحوثيين وإيران، فضلاً عن محدودية تأثيرها على أي من الطرفين.

وقال :-

أعتقد أن هذا يتوافق مع نهج الصين طويل المدى، إنه الموقف الوحيد المنطقي، لأنه ماذا يمكن للصين أن تفعل غير ذلك؟ لدى الصين قدرة ضئيلة للغاية على إستعراض القوة في الخليج، وبالتأكيد ليست مستعدة للتورط في صراع أكبر

وقال جيريمي تشان Jeremy Chan، أحد كبار المحللين في مجموعة أوراسيا Eurasia Group، لصحيفة تشاينا مورننغ بوست:-

إن الصين من المرجح أن تحافظ على وضعها الحالي لفترة أطول مما توقعه الكثيرون، خاصة وأن سفنها لم تتأثر بشكل كامل

طالما حافظت دول الخليج العربي – التي تكمن معها المصالح التجارية الرئيسية للصين – على موقف مماثل، فإن الحكومة الصينية ستبقى بالتأكيد على المسار الحالي.

لكن، قد تكون هنالك ضغوط متزايدة على الصين لبذل المزيد من الجهود إذا أستمرت هجمات البحر الأحمر.

قال الأستاذ ديفيد أراسي David Arase:-

إن الاستثمارات والشراكات في مبادرة الحزام والطريق BRI الصينية قد تتضرر.

لكنه أشار كذلك، إلى أن هذه المشاريع في العادةً دائمة وطويلة الأجل، ومن المرجح أن تستمر بعد إنتهاء الأزمة.

قال الأستاذ أوري سيلا Ori Sela لصحيفة ساوث تشاينا مورننغ بوست:-

في حين أن الصين يمكن أن تفعل المزيد، مثل ممارسة ضغط أكبر على إيران، إلا أنها مترددة في كثير من الأحيان في القيام بأشياء لا تضمن النجاح.

ومع ذلك، فإن الضغط على الحكومة الصينية سوف يتزايد إذا عانت الشركات الصينية من نتائج الصراع في البحر الأحمر، حيث قال الأستاذ أوري سيلا Ori Sela:-

إن هذا سيكون السبب الوحيد الذي قد يدفع الصين إلى تغيير نهجها

على الرغم من أن الإقتصاد الصيني يواجه تحديات صعبة، يبدو أن الصين قادرة على الصمود لبضعة أشهر أخرى، وربما تعتقد الصين أنه مع إقتراب فصل الصيف يمكنها إستخدام طريق القطب الشمالي بشكل أكبر، وبالتالي التخفيف من آثار مشاكل البحر الأحمر

على أية حال، يبدو أن الصين تفترض أنه بما أن العديد من الدول الأخرى تعاني من هجمات البحر الأحمر، فإنها ستحل هذه المشكلة بطريقة ما “.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com
error: الشكر الجزيل لكم لزيارة موقعنا, أستمتعوا بقراءة الأخبار
إغلاق

أنت تستخدم مانع ألاعلانات

شكرا جزيلا لزيارة موقعنا - أنت تستخدم مانع ألاعلانات ٠ الرجاء قم بتعطيل مانع ألاعلانات حتى تتمكن من تصفح الموقع